تحدثت الأسبوع الماضي عن المحافظين الجدد والليكوديين في إدارة جورج بوش الابن وحولها الذين زوروا الأدلة وعملوا لحرب على العراق قتلت مليون عربي ومسلم، واخترت نموذجاً عنهم مايكل ليدين، لتطرفه، وعمله في إيطاليا والشكوك حول دور له في تزوير وثائق عن محاولة العراق شراء يورانيوم من النيجر، أو ما عرف باسم «الكعك الأصفر». كنت أوردت اسم جون بولتون، وأشرت إليه في كتاب عن المحافظين الجدد والمسيحيين الصهيونيين، وأعود إليه اليوم كنموذج آخر عن عصابة الشر بعد أن قرأت مقالاً له عن التصويت المقبل في الجمعية العامة للأمم المتحدة على دولة فلسطين يجمع كل حقارة أعداء السلام من حكومة إسرائيل الفاشستية إلى أنصارها في الولاياتالمتحدة. على سبيل التذكير بولتون ليكودي أميركي تقلب بين وزارتي الخارجية والعدل ووكالة التنمية الدولية ليخدم إسرائيل، وكان يوماً وكيل وزارة لنزع التسلح والأمن الدولي فركز على إيران وتستر على إسرائيل مع أن الأولى لا تملك سلاحاً نووياً والثانية تملك ترسانة نووية. وخارج الحكومة ارتبط بولتون بمؤسسات ليكودية متطرفة من نوع مشروع القرن الأميركي الجديد الذي دعا إلى حرب على العراق في تسعينات القرن الماضي، والمعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي، ومعهد أميركان انتربرايز. وآخر نشاط له تأسيس فريق للتأثير في حملة انتخابات الرئاسة الأميركية القادمة، أي عصابة ليكودية أخرى. في 2001 طار بولتون إلى أوروبا ليطلب استقالة خوسيه بستاني من رئاسة منظمة منع الأسلحة الكيماوية، مع أن هذا انتخب في السنة السابقة بالإجماع لولاية جديدة، وأيدت انتخابه الولاياتالمتحدة وأطرى وزير الخارجية في حينه كولن باول على عمله. ورُفِض طلب بولتون ونددت به محكمة إدارية تابعة للأمم المتحدة. ولعل من القراء من يذكر حرب بولتون على الدكتور محمد البرادعي أثناء رئاسته وكالة الطاقة الذرية الدولية. وقد ردت عليه لجنة نوبل فأعطت البرادعي ولجنته جائزة نوبل للسلام سنة 2005. كان بولتون من الحقارة أن مجلس الشيوخ نفسه رفض الموافقة على تعيينه سفيراً للولايات المتحدة لدى الأممالمتحدة، فعينه بوش الابن في 1/8/2005 خلال إجازة الكونغرس، مع أن بولتون قال يوماً انه لو خسرت الأممالمتحدة عشرة طوابق من 38 طابقاً في مقرها في نيويورك لما حصل أي فرق. وأنتقل إلى ما نحن فيه فحكومة إسرائيل وعصابتها في أميركا والمتطرفون الآخرون يزعمون أن التصويت على دولة فلسطين في الجمعية العامة غير مهم، وأسأل إذا كان غير مهم فلماذا اهتمام المتطرفين إيّاهم به إلى هذه الدرجة؟. بولتون كتب مقالاً عن الموضوع في «لوس انجليس تايمز» نشر مع مقال للأخ موسى أبو مرزوق من حماس، والمقال فاض بما في نفسه من تطرف، وهو يقول في أول سطر إن باراك اوباما أكثر رئيس أميركي عداء لإسرائيل منذ سنة 1948، وأقول إن شاء الله يكون بولتون صادقاً مرة في حياته. وهو يكمل في الفقرة الأولى نفسها انه إذا لم يتصرف اوباما فإن على هيئات أخرى أن تتدخل، ويقترح أن توقف الولاياتالمتحدة ما تدفع للأمم المتحدة على سبيل التهديد. وأقول إن نيويورك تعيش على الوفود الأجنبية التي تزور مقر المنظمة العالمية. وكل دولار تدفعه الولاياتالمتحدة للأمم المتحدة يعود إليها ثلاثة دولارات، وعصابة الشر التي أفلست الخزينة الأميركية في حروب خاسرة لا تزال تصر على خراب أميركا خدمة لإسرائيل. بولتون يقول إن القرار سيكون محبطاً ومريراً ويشبّهه بقرار «الصهيونية عنصرية» ويقترح تجاهله أو تنزع الأممالمتحدة الشرعية عن نفسها. والرد هنا أن إسرائيل بلا شرعية، إلا إذا قبلها الفلسطينيون أصحاب الأرض كلها، فالأرض لهم من البحر إلى النهر وليست للصوص الخزر. مع ذلك يحذر بولتون من أن القرار يخلق «حقائق على الأرض» عبر الأممالمتحدة، وهذا الكلام من عميل إسرائيلي يعرف أن وجود إسرائيل كله من نوع تلك الحقائق على الأرض التي يمثلها الآن بناء المستوطنات لتغيير ديموغرافية الأراضي المحتلة وجغرافيتها. ويعود بولتون لمطالبة الرئيس الأميركي بقطع المساهمة المالية إذا صدر القرار، ويذكر قراءه بأن قبول الدولة يجب أن يتم عن طريق الجمعية العامة ومجلس الأمن، وهو يعتبر الأممالمتحدة كلها غير مهمة، ويريد من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن أن «تدير» العالم. وينتهي بولتون بالقول إن القرار يدمر الأممالمتحدة نفسها. وأقول انه يدمر شرعية إسرائيل التي بدأ العالم كله يتحول إلى رفضها لأنها لم تكن شرعية يوماً، وإنما قامت ليدفع العرب الفلسطينيون ثمن جرائم الغرب المسيحي بحق اليهود، فكان أن ارتكب الغرب جريمة ثانية بحق أهل فلسطين. [email protected]