قبل اسبوعين، انطلقت فعاليات مهرجان الساقية السابع للأفلام التسجيلية، الذي تنظمه ساقية الصاوي برعاية قناة «الجزيرة الوثائقية». عرض المهرجان على مدار ثلاث ليال 41 فيلماً، من بينها 21 فيلماً من نوع الإنتاج المستقل، وذلك عبر مجموعتين من الأفلام، هما مجموعة الأفلام الطويلة والأخرى القصيرة (أقل من 30 ق)، وقد تشكلت لجنة تحكيم المهرجان برئاسة المخرج فؤاد التهامي، منحت أفضل الأفلام – وفق اللائحة – جوائز مالية وتمثال المهرجان، ولاقت عروض المهرجان إقبالاً من جمهور الشباب، وبخاصة الشابات. ويقدّر لساقية الصاوي جهدها في تنظيم المهرجان، وخصوصاً بعد أن جمدت وزارة الثقافة المصرية في الحكومة الانتقالية – إلى حين – دعمها للمهرجانات الفنية والسينمائية حتى تستقر الأحوال المدنية، مع استغراق الوزارة في ترتيب أوراقها لتطوير أدائها، ذلك كله إضافة لالتفات رجال الأعمال الرعاة لتثبيت دعائم أوضاعهم المالية المرتبكة. إبداعات متنوعة تنوعت موضوعات الأفلام المعروضة في المهرجان، واللافت أن يتضمن البرنامج تسعة أفلام توثّق لأحداث الثورة وترصد صمود المعتصمين في ميدان التحرير. وفي هذا الأطار فاز فيلم «مصر تولد من جديد» (22 ق) للمخرج هشام عبد الحميد، بجائزة أفضل فيلم طويل في المهرجان، ويعد فيلم «من أجل مصر» (8 ق) للمخرجة ماريان ماهر خليل، من أكثر الأفلام تأثيراً، حيث تلتقي الكاميرا أسرة أحد شهداء الثورة في شقتهم المتواضعة. وخلال الفيلم يتم التواصل مع الشهيد بفضل صور فوتوغرافية حميمة تجمعه وأسرته في مناسبات عائلية. ويلفت النظر حال الإيمان والرضا بقضاء الله التي تغمر أفراد الأسرة، الذين يُجمِعون مع هذا على مطلب واحد هو القصاص من رموز النظام. فاز الفيلم بجائزة أفضل فيلم في مجموعة الأفلام القصيرة. وعلى جانب آخر مختلف، يدور فيلم «قلب الميدان» للمخرجة إيثار صلاح الدين، حيث يعرض للأنشطة التطوعية التي تخدم مجتمع المعتصمين في الميدان، بداية من نقاط التفتيش الشعبية عند المداخل إضافة لمستشفى الميدان والمطعم الذي يقدم الماء والشطائر من دون مقابل، ومعرض اللافتات والورشة الفنية للأطفال، فضلاً عن حلقات إلقاء الشعر والغناء في المساء. ويعد فيلم «الشارع لنا» لنيفين شلبي من أفضل أفلام المجموعة وأكثرها تميزاً، حيث تعرض المخرجة لإرهاصات الثورة خلال عشرات الاعتصامات العمالية والمسيرات والوقفات الاحتجاجية أمام مجلسي الشعب والشورى، والتي امتدت على مدار عام 2010 ولم يلتفت إليها النظام، حيث تفجرت الثورة في جميع ربوع مصر. وفي إطار أفلام العشوائيات ومعاناة الفقراء، عرض المهرجان فيلمين على درجة من التميز والتأثير، أولهما فيلم «كان يا مكان» للمخرجة مي الحسامي، وفيه تزور الكاميرا سوق الجمعة حيث لا يختلف بؤس الأشياء المعروضة عن بؤس البائعين والمشترين، ما يعكس تدني الأحوال الاقتصادية والاجتماعية لشريحة من المجتمع. ويحدث أن يقضي على السوق حريق هائل، وتكتمل المأساة بقيام قوات الأمن بترحيل الأهالي عنوة عن الموقع. ويكشف فيلم «على الهامش» للمخرج أحمد حازم، مجتمعاً عشوائياً على سطح إحدى العمارات الشاهقة في حي راق، حيث يكاد يختنق السكان بضيق محل السكن وتفيض المشاكل الاجتماعية. الثورة القديمة ومذيعها وعلى محور آخر مختلف، يدور فيلم «مذيع الثورة جلال معوض» من إخراج سامي عبد الكريم، وهو فيلم يعرض لمشوار المذيع القدير جلال معوض الذي قرأ بصوته بيان ثورة يوليو سنة 52 وارتبط بالزعيم جمال عبد الناصر ليرافقه لدى افتتاحه للمشاريع الكبرى – كالسد العالي – في الداخل، وأيضاً في المؤتمرات الدولية – كمؤتمر عدم الانحياز – في الخارج. ويعد الفيلم سجلاً حافلاً بإنجازات ثورة يوليو مقروناً بصوت جلال معوض الراقي، الذي لقّب مذيع الثورة. ويعد فيلم «السماع خانه» باكورة أفلام المخرجة الشابة ريهام أبو بكر – في تقديري – أبدع أفلام المهرجان وأكثرها اكتمالاً، لانضباط إيقاعه وعناية مدير التصوير بتوزيع الإضاءة وتنسيق الصورة، وهو يعرض لملامح الإبداع المعماري لهذا الموقع الأثري بعد ترميمه، كما تكشف المخرجة عن الرابطة بين التصميم المعماري للتكية والمبادئ الفلسفية للطريقة المولوية لمؤسسها مولانا جلال الدين ابن الرومي، وفاز الفيلم بجائزة لجنة التحكيم لمجموعة الأفلام القصيرة. في اختصار، يُعَدّ مهرجان الساقية تظاهرة شبابية تحتفي بجيل جديد من المبدعين والمبدعات يطرحون ما يختلج في دواخلهم من مشاعر وأفكار.