بدا أن السيطرة على بائعي مياه زمزم المخالفين أصبحت هذه الأيام مستحيلة، خصوصاً مع دخول شهر رمضان، وزيادة لهف الصائمين من السكان والزوار والمعتمرين على اقتناء عبوات الماء المبارك، وبات منظر الباعة وهم ينتشرون في غالبية الطرقات والشوارع الرئيسة في مكة أمراً طبيعياً وغير مستغرب، بعد أن فشلت كل الجهود في تقنين هذه العملية الربحية. وجالت «الحياة» البارحة على نقاط عدة تمركز فيها البائعون في مكة، بدءاً من أحياء المسفلة القريبة من المنطقة المركزية ومروراً بريع بخش، وأجياد، وصولاً إلى نقطة البيع الأساسية الواقعة بجوار المحطة الرئيسة بمواقف كدي، التي بدا أنها نقطة التقاء لغالبية البائعين من مختلف محاور مكة ومداخلها ومخارجها الرسمية، الذين يتواجدون فيها وقت الذروة (تبدأ عادة من بعد صلاة الفجر حتى موعد دخول صلاة العصر) التي تكون إيذاناً لانطلاق البائعين وتفرقهم في أنحاء المدينة المقدسة. وعند نقطة بيع صغيرة على ناصية أحد الشوارع في حي جرهم (جنوب العاصمة المقدسة) استوقفت «الحياة» ثلاثة بائعين، بدا أنهم شبان في مقتبل العمر، وطلبت منهم معرفة سعر العبوة الواحدة (كانت من العبوات الصغيرة)، فأجاب أحدهم بأن سعرها 10 ريالات فقط، فاستغربنا رفع القيمة الشرائية للعبوة كون أن سعرها لا يزيد على خمسة ريالات فقط، فرد بقوله: «إذا تقدر تجيبها من كدي ليش تجي عندنا، روح اشتريها من هناك»، مدركاً مدى الصعوبة التي تكتنف إحضار مثل تلك العبوات من المركز الرئيس في محطة كدي. وانطلقت الجولة قافلة إلى مركز البيع الرئيسة في محطة كدي، لنفاجأ بعدد من الراغبين في شراء عبوات الماء، وقد أرغموا على شرائها بمبالغ عالية، وما زاد الغرابة مشاهدتنا تلك العبوات وهي متوافرة في كثير من نقاط البيع داخل المحطة، أحد المواطنين من سكان مكة محمد غازي، أكد أن رغبته في الذهاب سريعاً وعدم الانتظار هي التي دفعته لشراء العبوة بغير سعرها الحقيقي، وتابع متحدثاً ل«الحياة»: «لست مرغماً على الانتظار طويلاً في هذا الجو الحار، ادفع ريالاًً، أو ريالين زيادة، ليست مشكلة أبداً»، مشيراً إلى أن كل ما يخيفه من هؤلاء الباعة المخالفين أن تكون المياه مغشوشة أو غير معبأة من ماء زمزم المبارك. وتنبهت إمارة منطقة مكةالمكرمة فعلياً لغش بعض الباعة بعد ضبط بعضهم في أنحاء متفرقة وهم يبيعون ماء مقلداً غير ماء زمزم، وتوعدت (في بيان رسمي لها) كل المخالفين بتوقيع أشد العقوبات وأقساها، خصوصاً بحق أولئك الذين يستخدمون العبوات الجديدة في التمويه على المشترين وممن لا يعرفون طعم الماء المقدس عن غيره من مياه الشرب الأخرى. وتبدأ حركة المحطة الرئيسة في الهدوء بعد صلاة المغرب، حتى خروج الناس من صلاة التراويح، لتعود بعدها حركة البيع والشراء لعبوات الماء المبارك، خصوصاً داخل نقاط البيع الرئيسة. وبجوار إحدى نقاط البيع، التقت «الحياة» أحد العاملين الرسميين في هذه النقاط، سالم شبيب الذي لفت إلى أن الأمور تسير على ما يرام، وليس هناك ما يعكر صفو البيع والشراء داخل المحطة، سوى بعض الباعة الذين يفترشون مداخل المحطة ويبيعون لبعض المعتمرين الذين لا يعرفون زمزم، على رغم أن هناك نقاط بيع رئيسة بالداخل، مشدداً على أنهم لا يستطيعون إرغام المشترين على الدخول إلى داخل المحطة والشراء من تلك النقاط، ورفض التعاطي مع الباعة المفترشين. وقال: «إن كثيراً من الناس، خصوصاً من المعتمرين القادمين من خارج مكة لا يعرفون نقاط البيع الرسمية داخل المحطة، ويعمل على تلقفهم الباعة الذين يفترشون مداخل المحطة، الذين لا يُعلَم عن مدى صلاحية الماء الذي يبيعونها وهل هو من إنتاج اليوم أم أمس أم مضى عليه أكثر من يوم»، ملمحاً إلى ضرورة أن يتم وضع لوحات إرشادية كافية لتنبيه الناس إلى نقاط البيع الرسمية، وعدم إخضاعهم لرحمة الباعة المفترشين.