غمرت أجواء الفرح آلاف الفلسطينيين في قطاع غزة بحلول شهر رمضان المبارك، فيما عبست وجوه آلاف أخرى تحسباً لنفقات إضافية في ظل استمرار الحصار الاسرائيلي، و«إفلاس» السلطة الفلسطينية، و«انحباس» مساعدات «وكالة الاممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين» (اونروا). سماء غزة ازدانت بالألعاب النارية والمفرقعات إعلاناً لفرحة الأطفال والفتية بدخول الشهر الفضيل. وفي ساحة الكتيبة غرب مدينة غزة التي زرعتها البلدة بالحشيش قبل أسابيع، تجمع عشرات الأطفال والعائلات ليل الأحد - الإثنين لمشاهدة فانوس رمضاني ضخم يبلغ ارتفاعه 15 متراً صنعه شابان «غزيّان» بهدف تحطيم رقم قياسي، وفي الوقت نفسه بث الفرحة في نفوس أطفال لم يتمكن ذووهم من شراء فوانيس صغيرة خاصة بهم، علماً ان سعر الواحد منها يبدأ بعشرة شواقل (ثلاثة دولارات). قبل ذلك بساعات طويلة، كان أبو علي يستجمع كل ما يملك من «شطارة» في البيع لإقناع عدد قليل من الزبائن بشراء أسماك من «بسطة» تتألف من سبعة صناديق صغيرة زرقاء اللون. يكاد النهار الحارق ينتصف في السوق الشعبية الوحيدة في مخيم الشاطىء للاجئين غرب مدينة غزة، وشمسية ملونة ملتوية أعمدتها تتراقص بهدوء تحت نسمات هواء قادم من البحر القريب «تحمي» الأسماك ورأس أبو علي وشقيقه عوض من ضربة شمس محتملة. تصطف المحال التجارية متقابلة وحولها عشرات البسطات على مساحة بالكاد تصل الى دونمين من أصل نحو كيلومتر مربع واحد هي مساحة المخيم الذي يقطنه 75 الفاً يمثلون 10 في المئة من عدد اللاجئين في قطاع غزة. باع أبو علي كل أسماك «السلطان ابراهيم» و«الطرخون» و«المليّطة» و«السردين» الصغيرة التي اشتراها من «حسبة» السمك في الصباح الباكر. خسر في بعضها وباعه بسعر أقل من سعر التكلفة، لكنه استرد رأسماله: 1500 شيقل. وعلق قائلا: «للمرة الأولى منذ سنوات طويلة يمر اليوم السابق على بدء شهر رمضان هكذا... كنت أبيع بنحو عشرة آلاف شيقل في مثل هذا اليوم». شوارع السوق خالية تقريباً من المتسوقين، على رغم أنه في مثل هذا اليوم من كل عام تكون السوق تعج بهم تحضيراً لشهر الصوم الكريم، خصوصا انواع التمور والحلويات مثل القطايف الشهيرة والعصائر، والسبب هو «الرواتب وغلاء الاسعار»، حسب ما قال ابو علي ل «الحياة» التي تابعته في «الحسبة» و«السوق» على مدى ساعات. فالحكومة الفلسطينية في رام الله برئاسة سلام فياض أودعت نصف الراتب في حسابات أكثر من 60 ألف موظف عمومي في قطاع غزة بسبب أزمة مالية يقول رئيس نقابة العاملين في الوظفية العمومية إنها «مفتعلة»، متوعداً بالإضراب التام عن العمل. ولا تبدو الأزمة في طريقها الى الحل بل الى التعقيد على رغم الوعود بحلها. لكن الشيء الوحيد المؤكد بالنسبة الى معظم الناس أن الشهر الفضيل يهل عليهم هذا العام في ظل ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة التي تُلهب رؤوسهم، ما يعني أيام صوم عسيرة «سيعيننا الله عليها». شيء آخر واضح، لكن غير مفهوم وغير مبرر بالنسبة الى كثير من الناس، وهو أن «المصالحة» ليست في المدى المنظور، وأصبحت في «خبر كان» بعد «المصافحة» الحاضرة على شاشات التلفاز فقط. أما الحصار والمعاناة الشديدة في معبر رفح الحدودي «فالأمل في وجه الله» أن يحل عقده في شهره الكريم.