شباب حماة وحمص ودرعا والمدن السورية الصامدون في وجه قوات الامن والجيش السوري يستحقون ان ينحني كل مواطن عربي امامهم. فالمتظاهرون في المدن السورية يطالبون بالحرية والعيش الكريم واحترام حقوقهم. ويُقمعون وتتم تصفيتهم والعالم العربي في صمت مريع. الشعب السوري يتكل على شجاعته لنيل ما يطلبه. فالتاريخ شهد ثورات شعبية غيرت الانظمة الى ديموقراطيات بفضل انتفاضة شعوب طامحة الى الحصول على حقوقها ومحاسبة قياداتها. وها هي انتفاضة سكان المدن السورية الباسلة تعطي حلفاء النظام السوري في لبنان درساً في الوطنية. فالمقاومة ضد العدو الاسرائيلي مشروعة عندما يحتل العدو الاراضي العربية ويتوسع ويتدخل ويقمع. ولكن كيف تتواطأ هذه المقاومة مع نظام عربي يقتل ابناءه من دون تردد؟ ما جرى في حماة ودرعا وغيرهما مجازر لا يمكن السكوت عنها. وينبغي هنا ان يحيي المشاهد العربي التكنولوجيا الحديثة التي تمكّن من تصوير وبث مشاهد العنف بعيداً من رقابة لم تعد فاعلة. فهذه الوسائل المعلوماتية والهواتف النقالة كشفت عن الجرائم بحق الشعب السوري. والانظمة العربية تتفرج تاركة الاوروبيين والاميركيين يعاقبون. والديبلوملسية الروسية تمنع معاقبة سورية في مجلس الامن. ان روسيا تعتقد ان بامكانها ان تستعيد الدور الذي كان لها ايام الاتحاد السوفياتي الا ان الشعب السوري وسورية المستقبل لن يغفرا لها هذا الموقف. ان استراتيجية القتل والقمع الجماعي تخلق شعوراً مزدوجاً لدى ضحايا القمع والقتل. الخوف من جانب، وهو طبيعي وانساني، وفي نفس الوقت الشعور بالمزيد من الغضب والكراهية امام تصفية ابرياء. والثورة تتغلب على الخوف وتعطي كل الزخم لأبناء سورية المنتفضين في مقاومتهم وصمودهم. اما حلفاء سورية في لبنان فهم يقفون الى جانب حليفهم النظام السوري لأنهم انتهازيون يطالبون بسلطة هشة ومناصب من قش لا جدوى منها الا الفساد وتقاسم ما تبقى من البلد. ان اللبنانيين دفعوا الكثير من دماء شهدائهم الذين ذهبوا ضحية الارهاب نفسه الذي ينال من ابناء سورية، وعلى رغم ان من قاد قمع حماة كان نفسه الذي قام بتصفية شعب المدينة في 1982 فمن الغباء الاعتقاد ان التصفية والقتل سيسكتان الثورة لان الاحداث ستولد المزيد من الغضب، ومحاصرة حماة اليوم ليست كما في 1982 فهي تنقل على شاشات تلفزيونات العالم. وفي الغرب هناك اصوات تتساءل عن البديل في سورية وان المعارضة ليست منظمة، ولكن الثورة على الارض هي التي ستخلق البدائل ولو ان ذلك لن يكون سهلاً، الا ان القمع والقتل لا يمكن ان يمثلا حلاً. وان كانت سورية الرسمية تعتمد على حليفها الايراني ووكيله في لبنان لإلهاء العالم بأحداث اخرى في المنطقة بحيث تستمر في مسارها القمعي في الداخل. فهذه استراتيجية خاسرة للنظام الذي لا يمكنه كما في الماضي لعب دور اطفاء الحرائق واشعالها في الوقت ذاته. والمرجو ان يتجنب الشعب السوري الوقوع في فخ الحرب الاهلية التي وقع فيها لبنان لانها خسارة للجميع. صحيح ان هناك اقليات ما زالت مؤيدة للنظام السوري لانها متخوفة على مصيرها ومستفيدة منه. وعلى المعارضة السورية ان تطمئنها ان القمع الحالي لن يحمي استقرار مستقبلها الذي سيكون افضل في ظل نظام ديموقراطي حر لا يعتمد القتل لمعاقبة المواطن المطالب بالحرية والاصلاح. اما الاعلام اللبناني الموالي للنظام السوري فهو مخيب لآمال الاعلامي الصادق والوفي لمهنته. فكيف بإمكانه تأييد قيام جيش بلد عربي جار وشقيق بتصفية ابناء بلده؟ اين قيم الصحافي الذي تحتم مهنته تغطية الامور بصدق والاحداث من دون غش وتلفيق؟ ان استشهاد صحافيين كبار مثل كامل مروة مؤسس صحيفة «الحياة» وسليم اللوزي وسمير قصير وجبران تويني ومي شدياق التي نجت من اليد القاتلة، كلها خلدت اسماء شهداء صحافيين ناضلوا في سبيل عقيدتهم. فكما كتب كامل مروة «قل كلمتك وامش» هكذا يجب ان تكون عقيدة الصحافي الحر. فمن واجبه ان يقول كلمته فيما يحصل في سورية ويدين بشدة قتل المتظاهرين الابرياء. ان سورية جديدة قد ولدت وعلى حلفاء النظام السوري في لبنان ان يفكروا بعمق ويدركوا التغييرات القادمة وان كانت ستأخذ وقتاً وتواجه مصاعب، ولكن لم يعد بامكان النظام السوري ان يبقى كما كان منذ عام 1970. والمطلوب الآن موقف عربي قوي يوقف العنف ازاء الشعب السوري كما فعلت الجامعة العربية بالنسبة الى نظام القذافي. اما المقاومة اللبنانية فعليها ان تتساءل كيف يمكنها ان تتواطأ مع اعمال يقوم بها جيش عربي وطني ضد ابناء بلده؟