تبدأ سهرة حسام (24 عاماً) عند منتصف الليل. يضع نرجيلته أمامه على الدراجة النارية وينطلق صحبةَ ثلاثة أصدقاء باتجاه منطقة عين المريسة. بات موعدهم على الكورنيش شبهَ يومي، «لا شغلة ولا عملة»، يقول حسام، مؤكداً أن السهرة المتأخرة «ليست أكثر من هروب من الاحتكاك اليومي مع الوالد». التأنيب المنزلي أكثر ما يزعجه، خصوصاً أن الحصول على فرصة عمل مسألة خارجة عن إرادته، كما يقول، وهو اعتاد هذا النمط منذ نحو سنتين... تاريخ فقدانه الأمل بالعمل داخل لبنان. يوميات الشباب اللبنانيين العاطلين من العمل متنوعة، بعضهم يقضي أوقاته حائراً بين مواقع التواصل الاجتماعي، وآخرون تعوّضهم النرجيلة وجلساتها عن «فراغ قاتل»، فيما يقضي بعض هؤلاء الشبان يومياتهم في ملاحقة الصبايا والانشغال بهن. غير أن المشترك بين الجميع هو «الحلم بفرصة عمل تلبي الحاجات الشخصية»، و «تمرير الوقت بانتظار الحصول عليها». وفيما تشير التقديرات الى أن نسبة البطالة المتوقعة في نهاية عام 2011 في لبنان ستصل الى 16 في المئة، يبتكر شباب لبنان العاطلون من العمل أساليب خاصة لملء الفراغ، ويرزح بعض هؤلاء تحت ضغط الإلحاح والتأنيب اليومي في المنزل «بما لا طاقة لنا على تحمله»، وفق حسام، الذي يواجه «محاضرات يومية في المنزل تتمحور حول أهمية البحث الجدي عن العمل والرضا بأي وظيفة بانتظار إيجاد البديل». هذا الواقع، يدفعه للهروب من المنزل «وإيجاد وسائل مبتكرة لتجنب مواجهة الوالد الذي يتحفني بإرشادات لا تقنعني». إزاء هذا الواقع، وجد البديل بالسهر «العبثي» خارج المنزل، والنوم حتى فترة بعد الظهر «كي لا يصادف موعد الوجود في المنزل مع عودة أبي». ولا شك في أن تغير مسار الحياة ألغى بعض عادات العاطلين من العمل لمصلحة عادات أخرى، فالتكنولوجيا أتاحت مجالاً للهو، ما دفع هؤلاء الى العزوف عن إمضاء الوقت في المقاهي التقليدية ولعب الورق فيها، على غرار ما كان سائداً قبل عشر سنوات مثلاً. يقول ابراهيم (36 عاماً) مثنياً على موقع «فايسبوك»: «على الأقل يتيح لمستخدميه العاطلين من العمل متنفَّساً للترويح عن أنفسهم»، مشيراً الى أنه يضرب موعداً ثابتاً مع الأصدقاء للمشاركة في ألعاب إلكترونية عبر الموقع، ونسج علاقات اجتماعية عابرة للحدود. ويعوّل ابراهيم على التواصل الإلكتروني «للخروج من الأزمة الشخصية»، إذ فَقَد حلمه بالعمل في لبنان، لكنه يبحث عن فرصة أخرى «عبر البحث عن صديقة تتحول الى زوجة، وتنقلني من عالمي الميؤوس منه، الى بلد أحظى فيه بعمل منتج ولائق». هذا الشكل من البدائل، يُعَدّ مبتكَراً بالنسبة الى شاب أقفلت سبل تطوره في بلده، ولا يجد ما يرضيه كمتخرج في كلية الحقوق «لا ظهر له في بلد الوساطات»... كما أن في هذا المسعى عصفوراً آخر يصيبه في ضربته، يتمثل في «بيع أفراد العائلة أحلاماً ومشاريع، كي يكفّوا عن اتهامي بالتقصير». أشكال كثيرة من «تقطيع الوقت» يمارسها العاطلون من العمل، وقد يكون ملاحقة الفتيات واحداً منها، «الفتيات يشغلنني عن التفكير بمأساة البطالة»، يقول شارل (29 عاماً) الذي يضرب مواعيد كثيرة مع صديقات «أتسلى معهن، وأشغل نفسي بهن». ويعوّض شارل عدم شغله مهنةً ثابتة بالتنزه والسهر والحب. بموازاة ذلك، لم يترك الشاب، خريج اختصاص ادارة الفنادق، فرصة إلاّ وحاول استثمارها للفوز بفرصة عمل، «التسلية ليست بديلاً من العمل، لكنها مرحلة ويجب أن تمرّ»، موضحاً أنه ينتظر الموافقة على وظيفة تقدَّمَ اليها في إحدى الدول العربية، كما انه يدرس خيارات أخرى لافتتاح عمل خاص في لبنان «اذا وجدت داعماً وممولاً وشريكاً». يوميات العاطلين من العمل فيها من الابتكار اللبناني ما لا يحدّه الا العمل نفسه. ويتفق الجميع على أن البطالة «أزمة وتعدّي»، لكن كسب الوقت الضائع «يجب أن يتمّ بما يرضي النفس ويُشبع العين من الحياة، قبل الرضوخ لمسؤوليات الحياة».