هل ثمة تشابه ما، بين مشروع الفيلسوف الإصلاحي طه عبدالرحمن ومشروع الإسلامي الإصلاحي عبدالسلام ياسين؟ ترتبط أسباب التساؤل السالف الذكر بما اختتم به الباحث المغربي إبراهيم مشروح، عمله الذي يحمل عنوان: «طه عبد الرحمن... قراءة في مشروعه الفكري»، والصادر أخيراً عن مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي في بيروت، ضمن «سلسلة أعلام الفكر والإصلاح في العالم الإسلامي» (الطبعة الأولى 2010)، حيث أتحفنا المؤلف بالارتحال مع أهم محطات مشروع هذا الفيلسوف، من خلال أربعة فصول، هي: «المنعطف اللغوي المنطقي وسؤال الفكر»، «الحقيقة والمنهج في تقويم التراث»، «فقه الفلسفة وسؤال الإبداع»، وأخيراً، «سؤال الحق ومشروعية الاختلاف». وجاءت الملاحظة النقدية (أو التساؤل إياه)، في أحد هوامش الفصل الخامس من الكتاب («سؤال الحق ومشروعية الاختلاف». ص 235)، حيث اعتبر إبراهيم مشروح أن التفريق الذي سطّره طه عبدالرحمن بين «واقع الحداثة» و «روح الحداثة»، أفرز «خمس نتائج ومسوغات تُشرعن «طلب حداثة إسلامية»، وهي دعوى، في رأي الباحث، «تخالف في الظاهر، دعوى أخرى تتعلق بأسلمة الحداثة التي دعا إليها أحد مجايلي طه عبدالرحمن، يتعلق الأمر بعبدالسلام ياسين في كتابه «أسلمة الحداثة»، فهما يلتقيان على المستوى الاستراتيجي، بيد أنهما يختلفان على مستوى تصريف هذه السطرجة». (انتهى الاقتباس الحرفي) يصعب في الواقع استيعاب أُسس وصواب الحديث عن التقاء طه عبدالرحمن مع عبدالسلام ياسين في «الأفق الاستراتيجي». والأدهى، أن يصدر هذا الحكم الاختزالي عن قلم يُحسب له التوفيق الجليّ في تلخيص مشروع طه عبدالرحمن للمتلقي، في سابقة عربية/إسلامية، من نوعها، إضافة إلى أنه حظي بالتتلمذ والتكوين والتأطير على يد طه عبدالرحمن بالذات. بَدَهِي أن المشروع المعرفي لطه عبدالرحمن، إلى جانب مشاريع موازية لأعلام من طينة علي عزت بيغوفيتش وعبدالوهاب المسيري، ليست موجهة فقط الى أبناء المجال التداولي الإسلامي/الأوروبي، في حالة بيغوفيتش، أو أبناء المجال التداولي الإسلامي/العربي في حالة المسيري، وإنما لأبناء المجال التداولي الإسلامي/الإنساني - أو المجال التداولي الإنساني/الإسلامي، حتى لا يؤخذ علينا احتكار النطق باسم «الحقيقة الدينية» - وهذه لطيفة لم يتفطن إليها الكثير من قراء ومتتبعي مشاريع هؤلاء الأعلام، فالأحرى ألا نتوقع أن يتفطن لها من ركب موجة «النقد من أجل المخالفة». ولعل المُتأمِّل في معالِم تفكيك المسيري لظاهرة أغاني «الفيديو كليب» مثلاً، في مبحثه القيّم الموسوم: «الفيديو كليب والجسد والعولمة»، سيخلُص لا محالة إلى أن هذا التفكيك يُفيد حتى المتلقي الياباني والبرازيلي والأوغندي والأسترالي، في معرض فهم الظاهرة وحُسن التعامل معها، وينطبق الأمر ذاته على طه عبدالرحمن، في مقاصد كتابه «سؤال الأخلاق»، أو «روح الحداثة». والحالة هذه، كيف نضع طبيعة المشاريع المعرفية لطه عبدالرحمن المغربي ورضوان السيد اللبناني وعلي عزت بيغوفيتش البوسني وعبدالوهاب المسيري المصري وأبي يعرب المرزوقي التونسي.. في الخانة المفاهيمية نفسها التي تضم مشاريع إسلامية حركية صريحة، سواء تعلق الأمر بحالة عبدالسلام ياسين وحسن نصر الله وخالد مشعل وأسماء إسلامية حركية من الوطن العربي والعالم الإسلامي. وواضح أن الباحث إبراهيم مشروح، تجاهل أن مشروع طه عبدالرحمن، غير معني أصلاً بالانخراط في «صدام وجودي» ضد نظام ومؤسسة وتديّن معين، ذلك الذي يُميّز أداء الإسلاميين عموماً في الرقعة العربية والإسلامية، ويكفيه أن يتأمل تحفة «الإسلام بين الشرق والغرب» لبيغوفيتش أو «العلمانية الجزئية والعلمانية الكاملة» للمسيري، وتأمل تعامل وتفاعل القراء والباحثين اليوم، بعد رحيل هذين العملاقين، حتى يفكر مليّاً في قلاقل الحديث/التساؤل عن «التقاء طه عبدالرحمن بعبدالسلام ياسين على المستوى الاستراتيجي، واختلافها على مستوى تصريف هذه السطرجة». لم نقرأ لعبدالسلام ياسين أن أعطاب الجهاز المفاهيمي للحداثة الغربية، جاءت بالصيغة النقدية التفكيكية الصارمة في «روح الحداثة» الذي حرّره طه عبدالرحمن؛ ولم نسمع يوماً عن طه عبدالرحمن أنه تبنى شعار «الإسلام أو الطوفان»، وكيف يصدر عنه هذا الشعار/المشروع، وهو يقود مشروعاً معرفياً نكاد نختزله في ثلاثية: «العقلانية»، و «الحوارية» و «الأخلاقية»! الإسلام لم، ولن يُختزل يوماً في حركة إسلامية أو حزب إسلامي، وإذا كانت موضة أحزاب «العدالة والتنمية» في تركيا والمغرب وماليزيا، تسيل لُعاب الكثير من الفعاليات الإسلامية الحركية، فهذا شأن يؤرق بالدرجة الأولى عقلنا الإسلامي المعاصر (عقل المؤسسات الدينية الرسمية والعقل الجمعي وعقل الباحثين وأهل الأفكار الطولى)، وليس العقل الإسلامي الحركي، الذي لا يمثل إلا جزءاً بسيطاً في خريطة عقلنا الإسلامي إياه.