يخوض الكونغرس الذي يسيطر الجمهوريون عليه وإدارة (الرئيس باراك) اوباما مفاوضات صعبة للغاية تتعلق برفع حدود الاقتراض الاميركي. وسيبلغ الديْن الاميركي حد 14.3 تريليون دولار في الثاني من آب (اغسطس). واذا لم يتمكن الكونغرس والادارة من التوصل الى اتفاق يرفع حدود الدين بحلول ذلك الموعد، فإن حكومة الولاياتالمتحدة ستتخلف للمرة الاولى عن سداد التزاماتها المالية لشعبها وللدائنين الاجانب على السواء. وبصفته الاقتصاد الاكبر عالمياً والمتحكم بالنظامين المالي والاقتصادي العالمي، سيكون للتعثر في سداد الولاياتالمتحدة ديونها تأثير هائل في الاقتصاد الاميركي وكذلك في الاقتصاد والنظام المالي العالميين. ووفق ما علق رئيس بلدية نيويورك (مايكل) بلومبرغ، في الثاني عشر من تموز (يوليو)، فإن التعثر في تسديد الديون سيكون له أثر كارثي على النظام المالي الاميركي وصدقية الولاياتالمتحدة حول العالم. وما زال عالمنا يسير وفق نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية. لقد خرجت الولاياتالمتحدة من الحرب تلك كقوة عظمى لا تضاهى. وكانت في تلك الفترة تنتج نصف الناتج الاجمالي المحلي وتسيطر على خمسين في المئة من الذهب في العالم. وكانت المقرض العالمي الأكبر في ذلك الحين. واستخدمت الولاياتالمتحدة بعد الحرب أصولها المالية الفريدة واقتصادها القوي لمصلحتها. ومن خلال تحكمها بالمؤسسات التي نشأت تنفيذاً لمعاهدات بريتون وودز، أي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي و«الاتفاقية العامة للتجارة الحرة» («الغات» التي استبدلت لاحقاً بمنظمة التجارة العالمية)، حصدت الولاياتالمتحدة فوائد هائلة من سيطرتها على النظامين المالي والتجاري الدوليين. بيد ان الولاياتالمتحدة بددت قوتها المالية والاصول التي كانت تحوزها اثناء الحرب الباردة بسبب مغامراتها العسكرية ونزعتها التوسعية. وخلال الحرب الباردة، خاضت الولاياتالمتحدة حروباً أكثر من اي بلد آخر في العالم. وتشكل الموازنة العسكرية الاميركية حوالى اربعين في المئة من الإنفاق العسكري العالمي العام. وتحتفظ كذلك بأوسع شبكة من القواعد العسكرية حول العالم. وهي متورطة حالياً بثلاث عمليات عسكرية في ليبيا والعراق وأفغانستان. ويهدد امتناع الولاياتالمتحدة عن سداد دينها استقرار النظامين المالي والاقتصادي العالميين. وينبغي ان يكون ذلك بمثابة جرس انذار للشعب الأميركي. لكنه أيضاً ينبغي ان يكون كذلك بالنسبة الى الشعب الصيني بسبب امتلاك الصين الكمية الأكبر من سندات الخزينة الأميركية. ويمكن التعثر في السداد أيضاً أن يضع علامة استفهام على القدرة الأميركية على دفع ما تدين به الولاياتالمتحدة للشعب الصيني ولشعوب الدائنين الآخرين. والأرجح ان تجد ادارة اوباما والكونغرس ذي الأكثرية الجمهورية طريقة ما لتجنب تعثّر سداد الديون، في اللحظة الأخيرة. السبب بسيط جداً: لا يمكن الحكومة الأميركية تحمّل تعثر من النوع هذا. والجمود الحالي في المفاوضات سببه سعي الجانبين الى تحقيق اقصى المكاسب من ازمة الديون القائمة. وليس لهما أي مصلحة في إغراق المركب. ويريد الجمهوريون استغلال الازمة هذه لإرغام ادارة اوباما على خفض الإنفاق المخصص للرعاية الطبية والضمان الاجتماعي وغيرهما من البرامج الاجتماعية. اما الادارة فتريد ارغام الجمهوريين على القبول بمعدل ضرائب اعلى على الاغنياء. لكن حتى اذا جرى تجنب التعثر الاميركي في سداد الديون هذه المرة، فإن الصعوبات في النظامين المالي والاقتصادي الاميركي ستظل قائمة. * استاذ التاريخ والعلوم السياسية في كلية وارن ويلسون الأميركية، عن «تشاينا ديلي» الصينية، 19/7/2011، إعداد حسام عيتاني.