يحكى أن رجلاً رأى أبليس في منامه، فاندهش حين رآه وسيماً وجميلاً على خلاف ما يتواطأ عليه الرسامون وما يشاع عنه بين الناس، فسأل الرجل إبليس في استغراب عن سبب هذا، فقال إبليس في خبث: "ماذا اصنع والقلم بيد أعدائي؟!" تذكرت تلك الكلمات الإبليسية عندما شاهدت وعلى عجل بعض المقاطع من مسلسل تاريخي مصري يتناول فترة الدعوة المكية. كان من السهل على المرء أن يخمن من هو المسلم ومن هو المشرك حتى وإن كتم الصوت. ثمة قواسم مشتركة تجمع معشر المشركين في تلك المسلسلات التاريخية الكاريكتورية. فحتى يكون الممثل مشركاً، يجب أن يكون طبعه فظاً، وصوته غليظاً، وبطنه منتفخاً، والشر يتطاير من عينيه. أما المسلم فهو على النقيض تماماً من عدوه. إنه أشبه بنصف ملاك يمشي على الأرض. ثيابه دوماً بيضاء كلون الثلج، وقلبه أخضر كغصن زيتون، وصوته منساب في هدوء كنهر عذب. ضمن السياق نفسه، قال ذات مرة المفكر العراقي المرحوم "هادي العلوي" أن هناك صفة مشتركة لكل من والي العراق الحجاج بن يوسف، والخليفة الأموي الثاني يزيد بن معاوية، والشمر بن ذي الجوشن (قاتل الحسين بن علي في كربلاء) في الفولكلور الشيعي ألا وهي أنهم كلهم عور! هل كانوا بالفعل كذلك؟ بالطبع لا. إنها فرشاة الخيال الشيعي المغموسة في محبرة الدم. لقد دفعت نقمة الشيعة على جلاديها إلى استعارة صفة الدجال الأعور وإلصاقها بخصومها وأعدائها الألداء. ماذا أروم من وراء تلك السطور أعلاه؟ أريد أن أقول إن الإنسان – على وجه العموم – يرسم ملامح الأشياء والوجوه وفق الكيفية التي يشتهيها ويتمناها. انظر – مثلاً – إلى ملامح يسوع عند الأفارقة وعند الآسيويين. الأفارقة يتخيلونه أسود يشبههم، فيما الآسيويون يتخيلونه أصفر على شاكلتهم! بكلمات أخرى، إن أحب الإنسان شيئاً فسيسبغ عليه الثناء ويرفعه إلى أعلى عليين، وإن كره الإنسان شيئاً فسيرميه بأحط الصفات وينزله إلى أسفل سافلين. إن أحب الإنسان شيئاً فسيجعل من رذائله فضائل ومن سيئاته حسنات. أتذكر أني سمعت أكثر من مرة أشخاصاً يتحدثون في إعجاب عن جمال ملامح وجوه شخصيات بارزة في التاريخ على رغم أن المدونات والمرويات التاريخية لا تشاركهم في شطحاتهم وخيالاتهم. الإفراط في الحب يجعلك ترى الأشياء عكس ما هي عليه في الواقع، وترسمها كما تشتهيها نفسك. ألا يقال في الأمثال: "مرآة الحب عمياء"؟! وإن كره الإنسان شيئاً فسيرى طيبه خبثاً وحسنه قبحاً وتبسمه مكراً. في إحدى دول الغرب، قلت لصديق من أبناء جلدتي: "الناس هنا طيبون فالابتسامة دوماً معلقة على شفاههم"، فقال هذا الصديق العجيب محذراً: "لا تغرنك ابتساماتهم الصفراء فأنت لا تعلم ما يجيش في قلوبهم علينا"! إن حب الإنسان وكراهيته لأشخاص وأشياء وأفكار لا يخضع دوماً لمقتضيات العقل المنطقي بقدر ما يخضع للعواطف وضغوط العقل الرغبوي. هذه الظاهرة موجود في أي مكان إلا أنها تعد أكثر تجلياً في مجتمعاتنا العربية والإسلامية تحديداً للدور الذي ما زال العقل الغريزي يحتله في صياغة قرارتنا ورسم مساراتنا. فمن تعلق بمغنّ ٍ ما، فلن يرى لمغنيه المفضل مثيلاً حتى لو صدئت حنجرته وذبلت أغنياته. ومن تعلق بممثل ما، فسيبقى في رأيه الأفضل والأجمل والأمتع (في إحدى مسرحيات عادل إمام كان الكل تقريباً في الصالة يضحك إلا أنا. وقتها تساءلت بيني وبين نفسي: ترى لو استبدلنا عادل بممثل آخر فهل سينتزع منهم الضحكات؟!). ومن تعلق بقائد، فسيسمي ظلمه عدل وغباءه دهاء وهزيمته نصر (ألم يسم أكثر العرب هزيمة حزب الله (!) نصراً إلهياً على رغم عدد القتلى اللبنانيين وحجم الكارثة والدمار التي لحقت بالبلاد؟!). ومن تعلق بشيخه، فلن يراه إلا علاّمة زمانه وفهّامة أوانه وأن الحق معقود على لسانه والنصر يجري في ركابه مهما وقع شيخه في الزلل ومهما تردى في مهاوي السوء. لو كانت المسألة تقف عند حواف الرياضة والفن لهان الأمر، ولكن عندما تُرى الأشياء على غير ما هي عليه في مجال الدين والسياسة فتلك الطامة الكبرى. ترى كم في ساحتي الدين والسياسة من وجوه يحسبها الظمآن ماء وهي في حقيقتها ليست إلا سراباً؟! [email protected]