تباينت آراء العلماء والباحثين والمثقفين في قراءتهم لوقائع الهزات الأرضية في مركز العيص التابع لمحافظة ينبع في منطقة المدينةالمنورة، ففي حين أحال فريق ما حدث إلى طبيعة حركة الكون وتأثيرات التغيرات المناخية وظاهرة الاحتباس الحراري ذهب فريق ثان إلى تحميل ذنوب أهالي العيص مسؤولية الزلزال، مطالبين إياهم بالتوبة والاستغفار والإقلاع عما هم عليه، فيما حاول فريق ثالث التوفيق بين أقوال المختصين والمعوّلين على النصوص الشرعية الصريحة في منطوقها والظنية في ثبوتها. وعدّ الكاتب فارس بن حزام أقوال بعض الوعاظ عن هزات العيص بالمثيرة للدهشة، كونهم ينسبون الهزات إلى ذنوب ومعاصي أهل مركز العيص، مبدياً امتعاضه من تركيز بعض الخطباء والدعاة على تكريس مثل هذه الأفكار في أوساط الناس، واصفاً من يروّج هذا الفهم بالمسيء في استثمار المصاب ومحاولة ابتزاز المتضررين من الهزات بتسويق الدين عليهم بآلية غير موفقة. ويستعيد ابن حزام ما ورد على ألسنة البعض من تحميل الإندونيسيين مسؤولية كارثة إعصار تسونامي، لافتاً إلى أن إنسانية علماء المسلمين لا تلتقي على مثل هذا التوصيف، ويضيف: «أن إخضاع الكوارث إلى التفسير التقليدي يفضي إلى كارثية يقع فيها الدعاة والفقهاء ما يحدث انعكاساً سلبياً على المجتمع، محذّراً من الاجتهادات التي تعطي الآخرين مفتاحاً ذهبياً لمن يريد السخرية بالدين». ويتابع ابن حزام: «لا أظن أهالي العيص القريبين إلى الله بعفويتهم وتلقائيتهم ينتظرون مثل هذا التفسير لأزمة طرأت على أمنهم وحياتهم». مطالباً وزارة الشؤون الإسلامية بإعادة النظر في تأهيل الدعاة وفحصهم، متسائلاً عن جدوى وجود جامعات علمية ومراكز بحثية مهمتها درس مكونات الطبيعة الجغرافية للبلاد ورصد المتغيرات والظواهر وتعريف الناس بانعكاساتها وتداعياتها. الجمع بين الرؤيتين هو الحل من جانبه، أبدى الأمين العام لمركز رؤية للدراسات الاجتماعية الدكتور إبراهيم الدويش تحفظه على بعض وسائل الإعلام المرئية والمقروءة في الذهاب إلى التحليلات العلمية، داعياً المعللين للهزات بكون العيص منطقة زلازل، وأن الزلازل كوارث طبيعة، إلى الربط بين التحليل العلمي وبين كونها جنداً من جند الله، محذّراً من تنحية النظرة الشرعية والسنن الإلهية في مثل هذه الأحداث. وأضاف الدويش: «أن المؤمن الصادق يعلم أن في الكون أسباباً وأن لأحداثه عللاً، ولكنه يؤمن بأن الله خالق هذه الأسباب وأنه موجد هذه العلل، وأطالب الجميع بعدم التسليم الكلي بما تُفسر به الأحداث من نسبة إلى طبيعة، أو تقلص القشرة الأرضية، أو أنها نتاج رياح وأبخرة تحت الأرض، تبحث عن مخرج لها فإن وجدته خرجت على شكل بركان، وإن لم تجده تهتز الأرض، فيكون الزلزال». ونبه إلى خطورة البعد عن الله وغفلة الناس وقسوة قلوبهم، داعياً إلى تأمل الأحداث والخروج منها بالعبر، مبدياً دهشته من ارتجاف المحيطات والبحور وعدم ارتجاف القلوب التي في الصدور، فيما وصف الدكتور عبدالرحمن بن ناصر البراك ما وقع بالآيات التي يخوّف بها الله عباده، مشيراً إلى أن هذه الهزات المتتابعة منذ شهر تنذر بخطر كبير، داعياً المجتمع إلى الأخذ بأسباب الوقاية الشرعية والمادية، وأن يتذكروا قوله تعالى «وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير»، مشيراً إلى أن من أعظم الأسباب الشرعية «التوبةُ، والاستغفارُ، ودعاؤه سبحانه وتعالى بأن يرحم عباده ويصرف عنهم ما يكرهون. الحقائق الشرعية هل يمكن تفسيرها علمياً؟ ويذهب الدكتور زغلول النجار إلى التوفيق بين النص والاختصاص، لافتاً إلى الحديث الوارد في باب الفتن في صحيح مسلم وما نص عليه من أنه «لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى»، مؤكداً أن الحديث تضمن إشارة علمية دقيقة إلى حقيقة من حقائق أرض الحجاز لم تدرك إلا في منتصف القرن ال 20 حين بدئ في رسم الخريطة الجيولوجية لأرض شبه الجزيرة العربية «ان من نتائج تلك الدراسات انتشار الطفوح البركانية بطول الساحل الغربي لجزيرة العرب من عدن جنوباً إلى المرتفعات السورية شمالاً، عبر كل من الحجاز والأردن، ومكونة واحداً من أهم أقاليم النشاط البركاني الحديث في العالم». وأضاف زغلول: «نصف هذه المساحة تقريباً في أرض الحجاز (حوالى 90 ألفاً من الكيلومترات المربعة) موزعة في 13 حقلاً بركانياً تعرف باسم الحرات، وأغلب هذه الحرات تمتد بطول الساحل الشرقي للبحر الأحمر ممتدة في داخل أرض الحجاز بعمق يتراوح بين 150 كيلو متراً و 200 كيلو متر، وترجع هذه الطفوح البركانية إلى الصدوع الموازية لاتجاه البحر الأحمر، وفوهات مئات من البراكين المنتشرة في غرب الحجاز، كما يعتقد بأن تلك الصدوع والبراكين لا تزال نشطة منذ نشأتها وإلى يومنا الحاضر، سببت العديد من الهزات الأرضية، كما تمت مشاهدة تصاعد أعمدة من الغازات والأبخرة الحارة من عدد من تلك الفوهات البركانية»، مشيراً إلى أن المدينةالمنورة تحيطها الحرات من جوانبها، إذ يوجد في حرة رهط وحدها أكثر من 700 فوهة بركانية، واصفاً الجزء الشمالي بالأنشط كونه شهد أكثر من 13 ثورة بركانية وتدفقاً للحمم خلال الخمسة آلاف سنة الماضية، مذكّراً بثوران عام 21 ه، وثوران عام 654 ه. ولفت زغلول إلى أن الثورة البركانية الأخيرة (654 ه -1256) شكّلت ستة مخاريط بركانية جديدة، ودفعت بطفوحها إلى مسافة زادت على 23 كيلو متراً من الشمال إلى الجنوب، وامتدت حتى الطرف الجنوبي لموقع مطار المدينةالمنورة الحالي، ثم تحولت إلى الشمال لطفاً بأهل المدينة، وكرامة لساكنها صلى الله عليه وسلم بعد أن أصاب الناس كثير من الذعر والهلع. وأضاف: «أن حرة خيبر بها أكثر من 400 فوهة بركانية تضم عدداً من أحدث تلك الفوهات عمدًا وأكثرها نشاطًا»، لافتاً إلى ما تم تسجيله من هزات أرضية خفيفة حول إحدى تلك الفوهات البركانية في أعوام مضت، مستعيداً ما ورد في الدراسات العلمية التي أجريت على منطقة الحجاز، وما خرجت به من نتائج تؤكد أن الثورات البركانية التي كونت حرة رهط بدأت منذ عشرات الملايين، غير مستبعد أن المنطقة مقبلة على فترة من الثورات البركانية تندفع فيها الحمم من تلك الفوهات والصدوع كما اندفعت من قبل بملايين الأطنان ما يوافق حديث مسلم المتضمن إشارة صريحة إلى النار وخروجها، مطالباً المراكز العلمية ومؤسسات البحوث في العالم الإسلامي بدرس مثل هذه الظواهر والتوفيق بينها وبين النصوص الشرعية.