تعيش المنطقة العربية اليوم مشهداً «شعبياً» مختلفاً، إذ لا يمكن مقارنة حال العالم العربي في هذا العام مع نظيره الماضي، ومن المستحيل عزل «ثورات الربيع العربي» عما تنتجه قنوات العالم ذاته من أعمال تلفزيونية درامية حتى في منطقة الخليج التي لا تعيش اضطراباً، لكن الثورة الليبية حازت نصيب الأسد من الإسقاطات. فعلى رغم أن هذه الثورة تحديداً وعلى عكس نظيراتها كلفت الشعب الليبي خسائر في الأرواح، وكلفت العالم خسائر مادية، إلا أن ظهور الزعيم الليبي معمر القذافي في خطبته الشهيرة التي هاجم من خلالها الثائرين ضد نظامه تستعمل اليوم كنص ل«إفيهات» المسلسلات في خطٍ موازٍ للنكات الشعبية، التي راجت في المجتمع في تعبير عن الوضع السياسي المحتقن، الدراما المحلية لم تكن بمنأى عن التأثر، لاسيما الأعمال الكوميدية منها، وظهر ذلك في معظم المقاطع الترويجية لمسلسلات رمضان، وعلى رأسها المسلسل الجماهيري «طاش ماطاش»، إذ أظهرت اللقطات التي بثتها شاشة قناة ال«إم بي سي» الفنان عبدالله السدحان محاطاً بمتظاهرين، ويردد بعض العبارات مثل «إلى الأمام، من أنتم، زنقة زنقة»، قبل أن يفر من أمامهم، وهي العبارات ذاتها التي رددها الفنان حبيب الحبيب في إحدى حلقات مسلسل «قول في الثمانيات» عبر مقطع ترويجي أعادت القناة السعودية الأولى عرضه مرات عدة، خليجياً لم تكن الساحة الكويتية ببعيدة عن نظيرتها السعودية، إذ قامت العديد من برامج المنوعات بمحاكاة شخصية العقيد معمر القذافي، وتقليدها بسخرية لاذعة، كما أن المسلسلات الكوميدية كان لها نصيب كما حدث مع الفنان طارق العلي في مسلسله «الفلتة»، والمزمع عرضه على شاشة قناة ال«إم بي سي» خلال شهر رمضان المقبل. وعلى رغم أن البعض يرى في التعاطي الكوميدي مع الأحداث السياسية في العالم العربي وليبيا تحديداً، استخفافاً بجراح شعب ما زال إلى اليوم يعاني طغيان قائده، إلا أن الفنان عبدالإله السناني يرى أن الحكم على توظيف مثل هذه المفردات لا يمكن أن يكون منطقياً في ظل غياب التفاصيل حول كيفية تناولها وطرحها، بل توقع أن يشيع استخدامها عربياً على مستوى الدراما السورية والمصرية كذلك، وأضاف في حديثه ل«الحياة»: «ما يحدث حالياً هو حال فرضت نفسها، والدراما بطبيعتها تنقل هذه الحال، ولا نستطيع تحديد صحة هذا التوظيف في ظل جهلنا بطريقة التوظيف ومدى عمقه، فالأمر يخضع لرؤية المنتج، فالبعض يتناولها بعمق ويضيف لها بعداً ثقافياً واجتماعياً، وعلى الطرف الآخر يتناولها آخرون بسطحية مثلها مثل تعاملنا مع قضايا الحرب والسلام في المنطقة»، ولفت السناني إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ فرضت الحال نفسها على قنوات تلفزيونية وإذاعية كما يحدث مع قناة «العربية» وإذاعة «روتانا»، إذ قامت الأولى بمونتاج لخطابات القذافي وشعاراته، فيما أنتجت الثانية منها فواصل إذاعية بين برامجها. الكاتب عبدالله بن بخيت أيد بدوره استخدام مثل هذه العبارات، ورأى أنها تأتي على سبيل الدعم والمؤازرة لشباب الثورة، وأضاف: «لا أعتقد أنها تسيء لقيمة العمل الدرامي، لاسيما أنها أتت في معظمها على سبيل الدعم والمؤازرة للثوار والسخرية اللاذعة من العقيد الليبي وشعاراته». من جهته، عارض المنتج والفنان عبدالرحمن الخطيب استخدام مثل هذه المفردات في أي عمل درامي، خصوصاً أنها - بحسب رأيه – لا تحمل احتراماً لتضحيات شعب ينشد الحرية وقدم في سبيل نيلها الآلاف من الضحايا، مضيفاً: «أنا أتكلم بشكل عام ولا أقصد مسلسلاً بعينه، هذه العبارات لا تليق بالعمل الدرامي، لاسيما إن وظفت بشكل سطحي لا يحمل مضموناً ولا يضيف جديداً للمشاهد، يجب احترام مشاعر شعب ناضل وما زال يناضل لينال حريته».