الاحتفال بالذكرى ال 59 لثورة 23 يوليو المصرية كان مختلفاً هذه المرة. رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، المشير محمد حسين طنطاوي، استخدم المناسبة للتأكيد على ان مصر لم تزل صنيعة ثورة الضباط الاحرار. كأن الجيش المصري يقول للشباب: ثورتنا لم تمت. حتى القنوات المصرية تناولت المناسبة التاريخية بطريقة توحي بأنها تلقت تعليمات بالاهتمام بالثورة التي توارى تمجيدها خلال فترة حكم الرئيس السابق حسني مبارك. هل الاهتمام مؤشر الى التحول عن «25 يناير» والعودة الى «23 يوليو»؟ بعض شباب «ميدان التحرير» يرى ان ثورة الضباط الاحرار قامت العام 1952 وانتهت عملياً عام 1971، وهي لا تعنيه، وهو يعيش ثورة شعبية جديدة قامت لاخراج مصر من مرحلة حكم العسكر، لذا فان التمسك بثورة يوليو ومعاودة بعثها من جديد التفاف يائس على ثورة 25 يناير وتحجيم لدورها، تمهيداً لتجاوزها، فضلاً عن أن حرب البيانات تشير الى أن مصر أصبحت تعيش صراعاً بين ثورتين، وإن شئت صراعاً بين الجيش من جهة ومعتصمي وثوار ميدان التحرير من جهة اخرى. تغيرت التحالفات. الشباب لم يعد يردد «الشعب والجيش يد واحدة»، فهذا الأخير أصدر رسالة تضمنت اتهاماً صريحاً لبعض شباب الثورة بالعمالة والسعي الى وقيعة بين الشعب والجيش، وتدخلت وسائل الاعلام في الخلاف، وأصبح هناك من ينادي بالرضوخ لارادة الجيش. لا شك في ان مصر تعيش أزمة سياسية مفصلية، فالجيش ارتكب خطأ استراتيجياً حين تصدّر المشهد السياسي، وصار هو المسؤول عن تنفيذ مطالب الثوار، بعد أن كان حامياً للثورة وسلامة البلد. والحل لن يأتي بإعطاء المؤسسة العسكرية مزيداً من الصلاحيات السياسية، إنما بالانتقال الى حكومة انقاذ وطني، وإبعاد الجيش عن المشهد السياسي اليومي، وتحقيق وعده بدولة مدنية، وترك الحوار يجري عبر القنوات الدستورية، والكفّ عن إدارة البلد من خلال البيانات العسكرية. وبغير خطوة شجاعة بهذا المستوى فإن الجيش المصري سيجد نفسه في مواجهة مع هؤلاء الشباب. الأكيد ان الجيش المصري في وضع لا يحسد عليه، فهو تصرف بحكمة خلال الثورة، وجنّب البلد الانزلاق الى العنف، لكنه تعجّل السلطة، وليس امامه سوى ممارسة ايمانه بالشباب.