تُحمل أطراف عدة في المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وكالات التصنيف الائتماني الثلاث العالمية (كلها أميركية)، مسؤولية زعزعة اقتصادات منطقة اليورو، عبر إصدارها تصنيفات متكررة تخفض بموجبها تقويم عدد من بلدانها درجات عدة، مشوهة صورتها، ومؤكدة عدم قدرتها على الالتزام بتعهداتها، خصوصاً لناحية تسديد استحقاقات دينها. فخفض التصنيف السيادي لإرلندا مجدداً، ولليونان بمعدل ثلاث درجات دفعة واحدة من +B إلى C.C.C، ما جعل هذه الأخيرة في دائرة الأخطار الكبيرة (وهي التي تحاول الحصول على دعم إضافي من صندوق الإنقاذ الأوروبي)، يعتبر بحسب خبراء بروكسيل « مؤامرة» على اقتصادات منطقتهم. فقبل خفض التصنيف لهذه البلدان من قبل وكالتي «موديز» و «فيتش»، كان التقويم السالب الجديد للبرتغال من قبل الوكالة الأولى في السادس من تموز (يوليو) الماضي. ويتساءل محللون أوروبيون عن المبررات التي يمكن أن تقدم والتي دفعت إلى تصنيف البرتغال في عداد دائرة الاستثمارات المتعارف على تسميتها بالمضاربة، عبر خفضه أربع درجات جديدة. وبناء عليه، فإن هذه الدولة يمكن أن تكون في حاجة إلى خطة مساعدة مالية ثانية. ما يعتبر حكماً مذهلاً في حين أن خطة المساندة الأولى البالغة قيمتها 78 بليون يورو، أشرفت في هذه الأيام على نهايتها. وترد وكالات التصنيف على هذه التساؤلات بعدم واقعية الخطط الموضوعة لإخراج اقتصاد هذا البلد الأوروبي وغيره من الأزمة. وهي حجج لم تقنع الأوروبيين الذين اعتبروا أن تصنيفات هذه الوكالات ليست غير موضوعية فقط، بل تساهم فعلياً بعمليات المضاربة على الدين. فوراء «موديز» و «فيتش» في رأيهم، هناك آلاف المضاربين الذين يراهنون على انهيار وضع كل بلد متعثر أو تصحيحه. فآلام اليونانيين والبرتغاليين تشكل في المقابل السعادة والربح الوفير للذين يقرضونهما بفوائد مرتفعة. هذا على الأقل ما يتردد في هذه الفترة في أروقة المفوضية الأوروبية. فبغض النظر عن وضع «موديز»، في 13 تموز الجاري، التصنيف المتعلق بالسندات الأميركية «تحت المراقبة مع إمكان خفضها»، ومضاعفة الضغط على الرئيس باراك أوباما، وتوصيف الصحافة الأميركية بعدها ب24 ساعة المسؤولين السياسيين من ديموقراطيين وجمهوريين بأن أزمة الدين قد تجاوزتهم، فإن التصنيف القاسي لليونان والبرتغال والذي بدأ يهدد إسبانيا، بات في قلب النقاشات الدائرة في كل مراكز القرار داخل الاتحاد الأوروبي. وفي هذا الإطار، جاء إعلان رئيس المفوضية الأوروبية البرتغالي خوسي مانويل باروزو، عن عمليات تصحيح جديدة ابتداء من الخريف المقبل. انطلاقاً من هنا، بدأت تطرح التساؤلات حول ماهية الإجراءات التي يتوجب اتخاذها حيال وكالات التصنيف الائتمانية. ومع ذلك، تبقى إجابة بروكسيل غير محددة، وكان الحديث عن «مراقبة أكثر تشدداً» هي الجملة الوحيدة التي وردت على لسان بعض المسؤولين في المفوضية الأوروبية. وفي هذا المجال علمنا من مصدر مطلع أن هناك اتجاهاً لاعتماد بعض الخطوات لتحسين عملية التصنيف وشفافيتها، والتقليل من التبعية الزائدة للمؤسسات المالية حيال النقاط التي تعطيها هذه الوكالة. في السياق ذاته، أكد لنا مسؤول في البنك المركزي الأوروبي أن أنشاء وكالة أو وكالات أوروبية للتصنيف الائتماني يشكل جزءاً من الحلول المطروحة. وهذا ما أشار إليه باروزو في مؤتمر صحافي عقده في التاسع من تموز الماضي بقوله: «هذا الخيار بات مفيداً وضرورياً، وإذا زاد عدد الوكالات في العالم فإن المنافسة ستشتد». ما يعتبر أفضل من كل النواحي، خصوصاً الشفافية وإنهاء احتكار ثلاث وكالات لعمليات التصنيف في العالم. وفي كل الحالات، لم يعد عدد من الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي كفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا تحديداً، يتردد في إعلان مواقفه إزاء ضرورة وضع حد لنفوذ وكالات التصنيف الائتماني الثلاث، مذكراً بمتابعة الجهود التي بدأت في هذا الصدد عام 2008. وقد ذهب وزير المالية الألماني إلى حد الطلب بكسر سيطرة الوكالات على عمليات التصنيف. وأول الردود على ذلك جاء من خلال إعلان البنك المركزي الأوروبي إضفاء مرونة أكبر على قواعد الإقراض للمصارف البرتغالية. يستنتج مما تقدم، أن المفوضية والبنك المركزي الأوروبي، إضافة إلى حكومات دول منطقة اليورو، مصممة على الذهاب إلى آخر الطريق في التصدي لما تسميه «هيمنة وكالات التصنيف الائتماني»، والحد من نفوذها الذي يتخذ من اقتصادات ومالية البلدان الأوروبية «أهدافاً». ويشير الأوروبيون إلى أن هذه المؤسسات هي على سبيل المثال، أكثر عدائية وقساوة تجاه الاقتصادات الأوروبية منها حيال حالات مشابهة في بلدان أميركا الجنوبية، ما رفضته وكالة «ستاندرد أند بورز» التي اعتبرت أن هكذا تشخيصاً مبني على عدم الاطلاع الكافي على الوقائع نظراً إلى اعتبارات سياسية. لكن، يتذكر الجميع، في المقابل، أزمة 2007 المالية التي كشفت ضعف تقديرات هذه الوكالات، عندما أعطت نقاطاً تفاؤلية لمنتجات مالية ما لبث أن ثبتت خطورتها، إذ انبثقت عن المضاربات الشهيرة، السيئة الصيت، التي شهدتها سوق العقارات العالمية في ما بعد. هذه الحقيقة دفعت بالأوروبيين للذهاب أبعد من ذلك عبر اتهام هذه الوكالات بقبض «بدل تصنيفها» من المؤسسات التي تعطيها العلامات الايجابية. لكن يبدو أن الاتحاد الأوروبي مصمم أكثر من أي وقت مضى على محاسبة هذه الوكالات، وصولاً للجوء إلى المحاكم الدولية. فهي مهتمة اليوم مجدداً بالتدخل المباشر في أزمة ديون منطقة اليورو والتأثير في مجرياتها سلباً. كذلك محاولة إغراق بعض دولها التي تعاني صعوبات مالية، والتي من المرجح أن تحصل على المساعدات اللازمة لإنقاذها، ما يعتبر « مؤامرة» على هذه المنطقة وعلى عملتها الموحدة. * مدير مؤسسة « ساغا» للاستشارات الاقتصادية - باريس