قيل إذا أردت أن تحارب عدوك وتصرعه، عليك أولاً أن تدرسه جيداً، لتعرف نقاط ضعفه وقوته، وتعرف ما يشكّل منها عائقاً أمامك لتتغلب عليه، فكيف درسنا اسرائيل المزروعة غصباً في أرضنا المحتلة منذ أكثر من ستين عاماً؟ فنحن العرب دأبنا على عزل أنفسنا عمن نكره، فندير ظهورنا ولا نرهق جهازنا العصبي والنفسي بالتعامل مع الغثيث، الإشكالية هنا، أن هذا الآخر غير المرغوب به لا مانع لديه أن يعمل فيك ما لا تحب ولا ترضاه، بل إنك بجهلك عنه إنما تتيح له أن يفرض عليك سياسة الأمر الواقع التي لم تستعد لها، وقد تثور في البداية وتتمرد احتجاجاً على الوضع الجديد، ولكنك ما تلبث أن تتعود وتقبل على مضض ما رفضت إلى أن يصبح على غير مضض، وأعود وأسأل: هل درسنا إسرائيل كما ينبغي؟ ومناسبة المقالة تلك المحادثة التي أجريتها مع أحدهم مفترضة فيه وفيها مستوى معين من العمق في التفكير وفي التحليل، إلا أنني وجدت أن العالم النفسي فرويد ما هو سوى يهودي تآمر على العالم بمؤامرة التحليل النفسي الذي أسسه، والماركسية مؤامرة على العالم لأن منشأها اليهودي كارل ماركس، والوجودية مؤامرة لأن صاحبها سارتر يهودي عن طريق الأم، واليهودي دركيم وراء علم الاجتماع الذي ألحق نظام الأسرة بالأوضاع الدخيلة ثم أبطل آثارها في تطور الفضائل والأدب، وبصرف النظر عن رأينا في إنتاج وأفكار من ذكرت أسماءهم إلا أنني أتكلم هنا من حيث المبدأ، فتفسيرنا غير العلمي لأي حركة فكرية على أساس أن أصحابها يهود تآمروا على العالم، هو منهج عقيم لن يؤدي إلى شيء، فلا أسهل أن أوصم من لا يعجبني ولا أوافق على أفكاره وإنجازه بوصمة ما، ثم أريح نفسي ولا أناقش ما يقول ولا ما يفعل لأنه موصوم، وكأنني أنا المعصوم، وللأمانة فقد وقع في هذا الخطأ التاريخي كاتب ومفكر كبير في حجم أديبنا العقاد، ومن أقواله: «لن تفهم المدارس الحديثة في أوروبا ما لم تفهم هذه الحقيقة التي لا شك فيها وهي أن إصبعاً من الأصابع اليهودية كامنة وراء كل دعوة تستخف بالقيم الأخلاقية، وترمي إلى هدم القواعد التي يقوم عليها مجتمع الإنسان في جميع الأزمان»، فهل لاحظت المبالغة المتجسدة في عبارته «حقيقة لاشك فيها»؟ فكيف تكون حقيقة وهي دائماً نسبية؟ وإلى اليوم لا أحد عرّفها لنا ولا أحد عاقل ادعى امتلاكها، وعلى ذكر النسبية فلا ننسى أن مبتكرها اليهودي ألبرت آينشتين. اليهودية شيء، والصهيونية شيء آخر، ولو كل الدلائل الراهنة قطعت بأن معظم اليهود متعاطفون مع اليهودية إنما تظل اليهودية غير الصهيونية، واتهامنا لكل مفكر يهودي بأنه يمثل مؤامرة عالمية على الحضارة، ينفي أن يكون بين اليهود من يرفض ما في الصهيونية من أخطاء وجرائم، ونحن كعرب ومسلمين حين نصر على تحجر رأينا فإننا في سبيل تأكيده تجدنا نذهب إلى أبعد نقطة في نفق العناد، فنتجاهل بعض الحقائق والمعلومات (العلمية والنظرية وغيرها)، والتي قد تنفي فكرتنا أو تتعارض معها، وهو ما يكون على حساب النتيجة، فالعقاد الذي رفض الاعتراف بأي تحول يطرأ على الشخصية اليهودية هو نفسه الذي رفض تحول ماركس إلى المسيحية، بل واعتبره أيضاً نوعاً من التآمر على الفكرة الدينية لمصلحة الصهيونية، مع أن كارل ماركس له دراسة عن الحالة أو المسألة اليهودية (سمها ما شئت)، هاجم فيها اليهود صراحة ومباشرة هجوماً عنيفاً، ومع ذلك، هو يهاجم اليهود ويدينهم خدمة للصهيونية، و»زبدة» القول هذا الموقف لن يودي بنا سوى إلى مزيد من الجهل والانعزال التام عما يجري في الضفة الأخرى، والصواب أن نلتزم بالمنطق والمنهج العلمي والتحليلي في مقارعة الآخر بالحجة، أما قصة أنا ضده و«بس» بتصعيد أجوف من الدعم، فهذه بالضبط هي التي ساعدت من أنت ضده في السيطرة والتفوق...عليك. [email protected]