ينتمي خليل الجر إلى سلالة معلمين لبنانيين أعطت وطن الأرز الجزء الأكبر من قوته الناعمة وقدرته على استقلال تتفاوت نسبته بحسب ضغوط الداخل العربي والعلاقة مع أوروبا، وتضم هذه السلالة أعلاماً في التاريخ واللاهوت والفكر والأدب والرسم والعمارة والاقتصاد ترجع انطلاقتهم إلى أواسط القرن التاسع عشر، والبعض يرجعها إلى الحضور الماروني المبكر في الفاتيكان. كبير في سلالة كبار، لكن تواضعه المعطوف على تواضعهم يدفعنا للوهلة الأولى إلى اعتباره رجل ظل. هو الهادئ حتى في عنفوان الشباب، استعار مبكراً حكمة الشيخوخة، في صوته الخافت وكلامه المحسوب كأنه حين يشافه يُملي على السامع مقالاً أو كتاباً، وفق زمن الجلسة. تهمني هنا الإشارة إلى أن خليل الجر أثناء دراساته العليا في فرنسا عاش تجربة الاتصال الأكاديمي والثقافي وتجربة الحرب العالمية الثانية واحتلال الألمان باريس عاصمة الأنوار. بين زملاء الجر في الدراسة تونسيان زاراه عند اجتياح جيش الرايخ الثالث باريس، وعرضا عليه مرافقتهما إلى تونس بحراً لأن حكومة فيشي أقنعت الجيش الألماني بتخصيص سفينة لتوصل طلاباً وشخصيات من تونس والجزائر والمغرب إلى بلادهم، وقد رفض العرض مفضّلاً البقاء في باريس حتى نهاية الحرب، فطلب منه واحد من زميليه أن يحفظ مخطوطة عنوانها «حدّث أبو هريرة قال» مخافة أن يقصف الطيران البريطاني السفينة فتغرق بركابها، وقد وافق الجر على حفظ المخطوطة مقدّراً للطالب التونسي تفضيله سلامة نص مكتوب على سلامته الشخصية. وفي الرسالتين المثبتتين في هذا المقال يتبين أن الطالب التونسي لم يكن هو كاتب المخطوطة الذي وقّع إهداءها بحرفَيْ م.م. (أي محمود المسعدي) وإنما كان الحبيب فرحات صديق المسعدي المقرّب. كلمة الجر عن المخطوطة التونسية ورسالة الحبيب فرحات ترويان حكايتها الطريفة التي اعتبرها المسعدي بعداً من أبعاد كتابه «حدّث أبو هريرة قال»، فقدّم للكلمة والرسالة بملاحظة عنوانها «متاهة مخطوط»، ورد فيها: «وبعد، فإن لمخطوط هذا الكتاب قصة جرت منذ دهر على يد صديقين، أحدهما بعيد وَصَل «أبو هريرة» بيني وبينه بالتقدير والود وإن كنتُ لا أعرف شخصه، والآخر من إخوان الصفاء قديم قريب. وهي قصة طريفة رأيتُ من حق القارئ أن لا يُحرم من معرفتها، عساه أن يطلع من خلالها على بُعد من أبعاد الكتاب قد لا يظهر جلياً بدونها». «أبو هريرة» هنا شخصية أخرى غير الصحابي وراوية الحديث المعروف في التاريخ الإسلامي. يقول المسعدي: «وقد يحتاج أبو هريرة عندك إلى التعريف ولستُ بمعرّفه لك، وإنما لك من شأنه ما قد يقع بنفسك عند انتهائك من هذا الكتاب. ولتذكر نذُر سفر التكوين: لا تأكل من الشجرة الحرام فإنك إن فعلت لذائق الموت، وشأن نيتشه يقول: إذا ذهب صدقي فقد عميت. فإذا أردت المعرفة فقد أردت الصدق، أعني الشدّة والتضييق على نفسي، والقساوة لا تلين». الكتاب الذي حفظ الجر مخطوطته هو باكورة الأعمال الأدبية الثلاثة لمحمود المسعدي، إذ أعقبه «مولد النسيان» الذي نُشر عام 1945 و «السد» (مسرحية) الذي نُشر عام 1955. وقد ذاع اسم المسعدي عربياً عندما كتب طه حسين مقالة عن «السد» ورد فيها: «قصة تمثيلية رائعة ولكنها غريبة كل الغرابة، كتبها صاحبها الأستاذ محمود المسعدي لتُقرأ لا لتُمثّل، ولتُقرأ قراءة فيها كثير من التدبُّر والتفكير والاحتياج إلى المعاودة والتكرار. وحسبك أني قرأتُها مرتين ثم احتجتُ إلى أن أعيد النظر فيها قبل أن أُمليَ هذا الحديث. وهي بأدب الجدّ العسير أشبه منها بأي شيء آخر. وضع فيها الكاتب قلبه كله وعقله كله، وبراعته الفنية وإتقانه الممتاز للغة العربية ذات الأسلوب الساحر النضر والألفاظ المتميّزة المنتقاة (...) إنها قصة فلسفية كأحقّ وأدقّ ما تكون الفلسفة، وتستطيع كذلك أن تقول إنها قصة شعرية كأروع وأبرع ما يكون الشعر. ولا غرابة في ذلك، فما أكثر ما يلتقي الشعر والفلسفة». واختلف طه حسين مع مؤلف «السد» في دلالة المسرحية إذ أحالها عميد الأدب العربي على أسطورة «سيزيف» بينما أكد المسعدي أن غيلان وميمونة بطلَي المسرحية يمثلان مأساة الإنسان الشرقي بين واقعه ومرتجاه. لم يتح ل «حدّث أبو هريرة قال» الانتشار الذي يستحقه عربياً، على رغم كونه أبرز أعمال المسعدي، وشكّل غيابه بين كتابته ونشره منطقة فراغ كان ملؤها حرياً بتطوير السرد التونسي، وربما العربي شكلاً ومضموناً، فقد حضر المسعدي منشئاً بارعاً وصاحب نزعة وجودية مزروعة في البيئة الشرقية، أكثر من حضوره المستحق كسارد ومعادل شرقي لنيتشه، والسبب غياب «أبو هريرة» حوالى 33 عاماً (1939- 1973) عن حركة الأدب العربي المتسارعة في تلك المرحلة. لا مجال هنا لعرض سردية «أبو هريرة» لكن لا بد من إشارة إلى أن الكتاب يحتفل بالتمرُّد على المألوف من دون إهمال النوازع المعقّدة للنفس الإنسانية، فبطله يخرج من بيئته المغلقة ملبياً نداء التجارب الحسية المستندة إلى الطبيعة والحب، ومتجهاً إلى التأمُّل بالكون في نوع خاص من الصوفية والشوق إلى المطلق، ومعنياً بالشأن الاجتماعي وموقع الفرد منه: مجموعة انبعاثات ل «أبو هريرة» تحضر في سرد طليعي، انحازت الرواية العربية إليه بعدما أسسه كتاب المسعودي، ومنه هذا المقطع: «سألته: هل عاد لك من الصحة ما كان قد ذهب؟ قال: إنه قد استوى عندي أن تذهب أو أن تبقى، بكل كدتُ أختار العلة. يمرض الناس يا ريحانة فيطلبون الشفاء، فيثقل المرض فيضني فيذهب سدى. وقد طلبتُ الشفاء مثلهم ساعة مرضي الأولى. ثم وجدتُ في علتي ما لم أجده في الصحة وتمّت لي بها حياتي، فخشيتُ أن تعاودني الصحة والاستقامة فأموت، كذا نحن. ولعله لا يبلغ العلّة من الناس إلا القليل. قلت: وهل في العلة غير الإمحال وذهاب الماء يا حبيبي؟ قال: لا أدري، فقد يكون. وقد تكون العلة من محببات الحياة. بل انظري- قالت: وكان في صوته كصدى غَيْب بعيد- إني أجد في جسدي وهو عليل كيف يرقّ حتى كأنه عود كلما جسسته أنّ، وكيف تدقّ الحاسّة وتحتدّ. وقد ذهبتْ لي والله ساعات وأنا أقفو أثر الروح تنتقل من يدي إلى رأسي أو منه إلى صدري، وتتردد على الأعضاء والقلب والأمعاء تردّد الفجر، فكأني أسبح في دمي يجري، ولذّ عندي، فيلدغني الألم في كتفي أو صدري أو رأسي فأنا آكل حنظلاً لا كحنظل الناس، فيه مرارة وحموضة وألوان مختلفة ونار تضطرم وتحسنٌ في العين، فكأن مقدار القوة والحياة يزداد للعلة، وكأن قرب الفناء خلاّق. ترين؟ ألا تكون الدنيا من خلق الآلهة عند النزع يا ريحانة؟ ثم تنفّس فمدّ نفسه. ثم قال: وددتُ من زمن بعيد لو أني عُلّقت بين السماء والأرض، أو أني جلست على قمة جبل وقد طلّقته الأرض فطار. فلم أصب في ذلك إلا علّتي تفكّ الجسد وتميّز الأوصال فيخفّ اللحم والدم فكأني في الخُلد. إنه لا تكون الحياة أبدع مما تكون بين العدم والكيان، ولا أقرب من طمأنينة السعيد. قالت ريحانة: ثم ابتسم وسكن. فنظرت فإذا دموعه كقطر الندى على خده، وقال: آلمني أن يكون نصف متاع الدنيا في حال لا يصيبها الإنسان إلا حيناً بعد حين، إذا سَلِمَ من كثافة الصحة. وضممته إليّ وضمّني إليه». الرسالتان رسالتا خليل الجر والحبيب فرحات حول مخطوطة «أبو هريرة» يعود الفضل في إعادة تقديمهما هنا إلى إبراهيم الجر الذي اتصل بي للمساهمة في الكتاب التذكاري عن أبيه، والفضل الآخر للصديق خالد النجّار الذي أتاح لي الحصول على الطبعة الأولى من «حدّث أبو هريرة قال» الصادرة عام 1973 عن الدار التونسية للنشر، وساعده في ذلك المثقفان التونسيان نورالدين صمود ومحسن عوني. وهنا نص الرسالتين: رسالة الجرّ الموقّعة في بيروت 5/12/1962: «كان ذلك في خريف عام 1939، وكنتُ جالساً في احد مقاهي فيشي أمام فنجان من القهوة المحلاّة بالسكارين، فدخل عليّ صديق تونسي من رفقاء الدراسة في باريس وبصحبته شاب لم أكن أعرفه. جلس إليّ الشابان ورحنا نتجاذب أطراف الحديث، ونتساءل عن مصيرنا بعد أن استسلمت فرنسا أمام زحف الجحافل من المصفّحات الألمانية، فقال لي صديقي إنه مزمع على العودة إلى تونس، وقد وضعت حكومة الماريشال بتين (بيتان)، بعد موافقة السلطات المحتلّة، باخرة «مسيليا» تحت تصرّف الرعايا العرب، فتقلهم إلى شمالي أفريقيا ويعود كل منهم من هناك إلى بلاده بوسائله الخاصة. لم أكن أنا راغباً بالعودة لأنني لم أكن قد أنهيتُ دراستي الجامعية بعد، ولأن المواصلات بين أفريقيا الشمالية وشرقي المتوسط كانت معدومة في ذلك الحين. فطلب إليّ رفيق صديقي أن أحفظ له أمانة هي أعزّ ما لديه، ويخشى أن تصاب الباخرة بسوء في زمن كانت الغوّاصات فيه تجوب البحار والألغام منتشرة في مياهها. وبعد أن وافقت على إجابة الشاب على رغبته، سجّل في مفكرةٍ اسمي وعنواني في باريس وفي لبنان، وقال لي إنه سيتصل بي بعد أن تضع الحرب أوزارها، ويُعلمني عن سبيل إرجاع الأمانة إليه. ثم قدّم إليّ رُزمة صغيرة، وقال: «هذا مخطوط كتاب سكبتُ فيه من روحي وأودعته آرائي الخاصة في الحياة. هو أعزّ ما لديّ، لك أن تقرأه إن شئت، ورجائي أن تحرص عليه ما استطعت». أخذتُ المخطوط، وودّعني الشابان وانصرفا، وكان هذا آخر عهدي بهما... وفي المساء، عندما عدتُ إلى غرفتي، فتحتُ الرزمة، فإذا فيها وريقات لا يتعدى عددها المئة، مكتوبة بخط رتيب جميل، وهي تحمل هذا العنوان: «حدّث أبو هريرة قال...»، وفي صدر الكتاب الإهداء التالي: «إلى أبي وأمي، علّماني ما لا يعلمان، إلى التي ماتت قبل أجلها، إلى أصدقائي، أعاروني من حياتهم، فجدّدوا خلقي. إلى الذين واللواتي أوحين لي من أرواحهن. إلى هذا الجيل، من البطولة حياته. إلى روح تونس الخالدة، أرض المزج والنار م.م.». رأيتُ في هذا الإهداء ما أثار فضولي وحثني على قراءة المقدمة، فقرأتها علّي أتعرّف من خلالها إلى أبي هريرة، فخاب ظني بعد أن وقعت عيناي على هذه الأسطر: «وقد يحتاج أبو هريرة عندك إلى التعريف ولستُ بمعرّفه لك». فقررت المضي في القراءة، وفي ذهني السطر الأخير من المقدمة: «إذا قرأت هذا الكتاب فله عليك أن تكون قاسياً غير رحيم». قرأتُ الكتاب دفعة واحدة، وقد انتقل بي إلى دنيا غير دنيانا. قرأته في جو من الغيبوبة عن عالم الحس مع أنني كنت أشعر بإرهاف في كل حس من حواسي لم أعهده فيه في حالة اليقظة، وتلاشيت في عدم أشد حقيقة من الوجود، أخذتني نشوة ولا نشوة الخمرة المعتّقة، حتى إذا فرغتُ من قراءته وجدت نفسي كمن يفيق من حلم جميل وكانت الإفاقة قاسية، عقبها دوار في الرأس وقلق في الوجدان. وأصبح الكتاب لي دواء. أصبح رفيقي، لا يفارقني، أعود إليه كلما شعرتُ بانقباض في صدري، أو كلما استولى عليّ اليأس في سنوات الحرب الرهيبة، وأنا بعيد عن الأهل لا أعرف شيئاً عن مصيرهم ولا يعلمون شيئاً عن مصيري، فيخفف أبو هريرة عن كاهلي وطأة الغم بحكمته الساخرة وعبثه الجدي وفلسفته المنبثقة من أعمق ما في إنسان من توق إلى الحقيقة المطلقة ومن قلق لعجزه عن بلوغ هذه الحقيقة. وانتهت الحرب، وعدتُ بعون الله إلى الوطن سالماً والكتاب معي أحرص عليه حرصي على إنسان عيني. لا أعرف شيئاً عن مؤلفه سوى أسلوبه الذي فيه شيء من الإعجاز، وروحه التي سكبها في كل سطر من سطوره، وحرفَي م.م. اللذين ذيل بهما الإهداء. وانتظرت طويلاً من دون أن أتلقى كلمة من المؤلف، وكنتُ في كل مناسبة أقرأ بعض الصفحات على من أجتمع بهم من رجال الفكر والأدب، من لبنانيين وغير لبنانيين، فيُجمعون على تقديره والإعجاب به. يعجبون بما فيه من ثورة الشباب المتحرر وحكمة الشيوخ المحنّكين. ويأسفون، كما آسف أنا، لكون هذا الأثر النفيس مدفوناً في مكتبتي، لا يرى النور. وأخيراً، قدّر لي أن اجتمعتُ بالأستاذ علي إدريس التونسي، وقد زارني في حاجة، فرويت له قصة الكتاب، ووضعتُه بين يديه، فقال لي: أظن أن هذا هو خط محمود المسعدي وأن هذا الأسلوب أسلوبه. والأستاذ المسعدي الآن من كتّاب الطليعة في تونس، لآثاره الأدبية والفكرية دوي تعدّى الحدود التونسية حتى تردّدت أصداؤه في مختلف أنحاء العالم العربي. وهو إلى ذلك من كبار رجال التربية في بلادنا ومن موجّهي الرأي العام فيها، يشغل منصب كاتب الدولة (وزير) للتربية القومية. فرحتُ لهذا الخبر، وقد تأكدتُ من صحته عندما عاد إليّ الأستاذ إدريس. بعد أن اتصل شخصياً بتونس بالأستاذ المسعدي، وروى عليه القصة وعلم منه أنه في الواقع صاحب المخطوط، يسعده أنه ما يزال محفوظاً وأن يحصل عليه ويدفعه للطبع. وهكذا، بعد مرور سنين طويلة، أرسل الأمانة إلى صاحبها عن طريق يدين أمينتين، وكل ما أتمنى هو أن يرى هذا الأثر النفيس النور، وأن أحصل على نسخة مطبوعة من إهداء المؤلف، تحل في مكتبتي محل الذي كان يشغله فيها المخطوط، لسد الفراغ الكبير الذي خلّفه فقده في درج مكتبتي وفي نفسي». رسالة الحبيب فرحات الموقّعة في تونس 11/5/1973: «أخي وصديقي العزيز تفضلتَ فأطلعتَني على نسخة من رسالة الأستاذ خليل الجرّ ولا يسعني إلاّ أن أشكر صاحب «قصة كتاب» وفاءه للأمانة وقد كنتُ أودعتُ بين يديه مصير مخطوط «أبي هريرة» في ظروف أبدع في وصفها بأسلوبه السهل الممتنع والمؤثر، على أنّي لا أرى بداً من تصحيح أمرين اثنين تسرّب لروايتهما شيء من الغلط سببه النسيان وبُعد الشقة بين الحدث وروايته، ذلك –أولاً– أن المقابلة كانت في صائفة سنة 1940 لا في خريف سنة 1939، ودليل ذلك أن استسلام فرنسا «أمام زحف جحافل المصفّحات الألمانية» –وفق عبارة الأستاذ خليل الجر- كان في شهر جوان (حزيران) سنة 1940، وهذا حادث تاريخي لا جدال فيه، ثانياً – خلافاً لما رواه الأستاذ الجرّ فلم أنسُب أبداً الكتاب إلى نفسي بل نسبتُه إلى صاحبه الأستاذ محمود المسعدي، وما زالت ذكريات محادثتي مع الأخ خليل ماثلة إلى الآن بدقة في ذهني، وقد كنا تلازمنا إذّاك يومين أو ثلاثة وسكنّا معاً غرفة واحدة بمدينة «روايا» بالقرب من «كليرمون فيران». وفاتحني الشاب اللبناني خليل الجر في ما كان يقرضه من شعر باللغة الفرنسية وقرأ لي نماذج من إنشائه فيه، فشجّعني ما اكتشفتُ في رفيقي من سعة في الاطلاع ورقّة في الإحساس على أن أتحدث إليه عن كتاب «أبي هريرة»، فترجمتُ له عن صاحبه وأودعته المخطوطة إشفاقاً عليها من الضياع وقد عزمتُ على السفر بحراً... ثم علّه يجد له ناشراً بلبنان وقد كان مؤلفه فوّض لي الأمر في ذلك، هذه حقيقة الواقع حسبما أتذكر على أنّي لم أشكّ في حسن نية الأستاذ خليل الجرّ وما أجمل روايته ل «قصة كتاب» كنتُ أودّ أن لا أبعث بعض الغيوم على روعة خيالها لو لم تُنسب إلي محاولة انتحال أنا بريء منها، ويروق لي في الختام أن أكرر عبارات امتناني إلى الأستاذ خليل الجر على وفائه للأمانة، مقترحاً على صديقي محمود المسعدي نشر «قصة كتاب» كفاتحة أو خاتمة لحديث أبي هريرة، لما تنطوي عليه من فائدة وما تبعثه من أضواء على «مسيرة» مخطوط أبي هريرة والسلام من أخيك وحافظ ودك الحبيب فرحات»