يبدو أن التغيير السياسي في هرم السلطة في أوزبكستان بدأت تظهر ملامحه، بعدما ظلت توصف بالدولة الأكثر عزلة وقمعاً لحقوق الإنسان والحريات في العالم منذ استقلالها عن الاتحاد السوفياتي السابق أي منذ ما يقارب ربع قرن. انتهت حقبة الرئيس السابق إسلام كريموف وسلطته المطلقة في البلاد التي كان الآمر الناهي فيها، محولاً بذلك الدولة الكبرى في عدد السكان في آسيا الوسطى، دولة بوليسية، من خلال اتباع سياسة القمع والإقصاء لكل رأي مخالف له، ما دفع ستيف سوبردلو المحلل في منظمة «هيومن رايتس واتش» إلى القول: «الدولة بكاملها كانت كريموف، فهو كان الدولة طوال أكثر من ربع قرن، وقد حكمها بيد من حديد». لم يكتف كريموف بالسيطرة داخلياً، وقمع المعارضين، وعلى وجه الخصوص الإسلاميين منهم، بل عمل على إبعاد أوزبكستان عن كل المشاريع الإقليمية والدولية، وتجاهل العديد من دعوات الدول المجاورة إلى عقد الاتفاقيات بغية حل المشاكل العالقة بينها، لدرجة أصبح يوصف بالرجل الوحيد أو الرجل بلا أصدقاء. ولطالما كان كريموف يدافع عن سياسيته القمعية التي تصفها المنظمات الدولية ب «الوحشية»، في الداخل والخارج أمام الانتقادات الغربية، بحجة أن أوزبكستان يمكن أن تصبح مرتعاً للإهارب والفوضى التي قد تعمّ المنطقة بأسرها. ونظراً إلى قرب أوزبكستان من أفغانستان قدّم كريموف بعض التسهيلات الموقتة، كإقامة قواعد عسكرية «ترانزيت» لإمداد القوات الأميركية والمتحالفة معها في حربها ضد طالبان، محاولاً بذلك كسب صمت الحكومات الغربية والولايات المتحدة على وجه الخصوص تجاه سياسته الداخلية. ومنذ تسلم الرئيس الحالي شوكت ميرزاييف الحكم، بدأ يأخذ منحى مغايراً لسلفه كريموف، واتجه نحو الانفتاح على العالم، وبالتحديد على الدول المجاورة في منطقة آسيا الوسطى، مخالفاً بذلك كل التوقعات التي كانت تتكهن بسيره على خطى كريموف، للحفاظ على استقرار هذا البلد الواقع فوق فوهة براكين من الأزمات والمخاطر. في هذا السياق قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأوزبكي، أليشر كورمانوف: «الانتقال السلمي بعد موت كريموف يبين أن أوزبكستان أجتازت بالفعل اختباراً قوياً»، وأضاف: «لقد سمعنا كثيراً إن الفوضى ستحل في البلاد، وإن آسيا الوسطى ستنهار، وإن الراديكالية أو التطرّف سينتشران، لكننا أثبتنا أننا مستعدون لخوض مرحلة جديدة من الإصلاحات الأعمق. نحن نمرّ بموجة تحول كبيرة». كما بدأت القيادة الأوزبكية الجديدة بأخذ زمام المبادرة، وتوجيه الدعوات نحو تكامل اقتصادي وسياسي أقوى لمنطقة آسيا الوسطى، لتجاوز العقبات والتحديات التي تواجه الكل في ظل تصاعد التنافس الدولي الذي تشهده المنطقة، وهو بمثابة دور جديد وأكثر حيوية لها في منطقة آسيا الوسطى. الدور الإقليمي الجديد الذي تسعى إليه طشقند، دفعها إلى عرض استضافة مفاوضات مباشرة بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، خلال المؤتمر الدولي حول أفغانستان الذي عقد للمرة الأولى في أوزبكستان منذ أكثر من 17 عاماً، وجاء في الكلمة الافتتاحية للرئيس ميرزاييف خلال المؤتمر:»نحن مستعدون لتهيئة كل الظروف المطلوبة، في أي مرحلة من مراحل عملية السلام، لتنظيم محادثات مباشرة على أراضي أوزبكستان بين حكومة أفغانستان وحركة طالبان». يذكر أن ميرزاييف قام بزيارات رسمية إلى دول الجوار لمعالجة الأزمات الثنائية القائمة مع تلك البلدان، فتوجه إلى قيرغيزستان، وزار أربع مرات كازاخستان، وثلاث مراتتركمانستان، وطاجيكستان، ما دفع الكثير من الخبراء إلى وصف تلك الزيارات بالتاريخية، نظراً إلى العلاقات المتوترة والتي كادت تصل إلى حد استخدام القوة العسكرية بين دول المنطقة المتجاورة في المرحلة السابقة. ووصف الرئيس الطاجيكي، إمام علي رحمانوف، زيارة ميرزاييف لبلاده بأنها «مصيرية ومهمة». مؤكداً في الوقت ذاته: «دعم طاجيكستان جهود أوزبكستان لتعزيز التعاون الإقليمي». كما عقد ميرزاييف العديد من الاتفاقيات في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وشكّل اللجان لإيجاد الحلول المرضية لكل الأطراف على النقاط الخلافية، منها الخلاف القائم منذ سنوات على حصص تقسم الموارد المائية بين الدول، ناهيك برفع مستوى التبادل التجاري مع بلدان المنطقة إلى مستوى مرتفع. كما أعرب ميرزاييف خلال الدورة الثانية والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة عن استعداده لتقديم تنازلات معقولة مع بلدان آسيا الوسطى في شأن كل القضايا من دون استثناء. وعلى رغم عدم الثقة بين قادة دول آسيا الوسطى الخمسة، إلا أن ذلك لم يمنع رئيس كازاخستان نور سلطان نازارباييف أثناء منتدى أمن آستانة في 16 تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي، من دعم مبادرات نظيره الأوزبكي قائلاً: «علينا أن نفهم جميعاً أنه لدينا تاريخ مشترك، دين وثقافة وعقلية، علينا جميعاً أن نكون معاً، نساعد بعضنا بعضاً لضمان أمن هذه المنطقة». وفي ظل تنافس أميركي- صيني على المنطقة، الأمر الذي يجعل مهمة أوزبكستان أكثر صعوبة وتعقيداً من ذي قبل، وبالتحديد استمرار العقوبات الاقتصادية الغربية على الحليف الروسي، الداعم الأهم للرئيس الأوزبكي في المنطقة، يشكك الكثير من المراقبين، في قدرة أوزبكستان على القيام بأي دور إقليمي في الوقت الراهن، بسبب الوضع الاقتصادي المتردّي، والذي يحتاج إلى مراجعة شاملة لكل الخطط الاقتصادية. وعلى رغم محاولات الحكومة السير على طريق الإصلاح إلا أنّ ذلك يحتاج إلى كثير من وقت، ما قد يعيق أي دور إقليمي تحاول القيادة الأوزبكية أن تلعبه في المنطقة، ناهيك بالحاجة الملحة للقيام بإصلاحات داخلية في شكل جدي وأكثر فعالية، وبخاصة في المجال الاقتصادي لتعزيز الثقة لدى روؤس الأموال الأجنبية للاستثمار في أوزبكستان.