هل اللقاء التشاوري للحوار الوطني في سورية «فرصة ذهبية» للإصلاح السياسي في البلاد ام محاولة من السلطات لإضاعة الوقت وتشتيت جهد المعارضة؟ هذا هو السؤال الذي قسم المعارضون السوريون. فهناك من شارك في الحوار امس على اساس ان «المقاطعة» لا تترك خياراً سوى «المواجهة المفتوحة» بين السلطات وبين الشارع. وهناك من رفض المشاركة على اساس ان الآليات وجدول الاعمال وضعتها السلطات في الاساس، ما يجعل المعارضين مجرد «ديكور». ومن المقاطعين البارزين للحوار «اتحاد تنسيقيات الثورة السورية» الذي دعا امس إلى تظاهرات واسعة في البلاد، وناشطين حقوقيين ومعارضين مثل المحامي والناشط البارز هيثم مناع، ولؤي حسين وفايز سارة وعارف دليلة، الذي قال إن المشكلة هي في كيفية تنظيم آليات الحوار، موضحاً ان المدعوين تمت دعوتهم لتمرير قوانين اتخذت بالفعل، ما يجعل المشاركة كلها شكلية. كما ان الكثير من المعارضين الذين شاركوا في مؤتمر انطاليا للمعارضة السورية في تركيا رفضوا حوار امس، قائلين إن بدء الحوار يستلزم اولاً تنحي القيادة السورية. اما اكثر تيارات المعارضة تنظيماً وهم الإخوان فلم يدعوا اصلاً للحوار. كما قالت بهية مارديني رئيسة «اللجنة العربية للدفاع عن حرية الرأي والتعبير» إنها لن تشارك، وهو نفس موقف عمار القربي رئيس المنظمة الوطنية لحقوق الانسان في سورية. ويقول الناشطون والمعارضون الذين قاطعوا الاجتماع إن استمرار عمليات الجيش داخل المدن، واستمرار سقوط قتلى، وانتشار دبابات الجيش لا توفر مناخاً ملائماً للحوار. ويوضح هؤلاء انهم لن يشاركوا في محادثات مع السلطات قبل وضع حد للحملة العسكرية وإطلاق سراح آلاف السجناء السياسيين وانسحاب الجيش من المدن وتأمين الحق في التظاهر السلمي وإجراء تحقيق حول الجرائم المرتكبة ضد المتظاهرين، كما قال معارض لوكالة «فرانس برس»، طالباً عدم الكشف عن هويته. لكن، في المقابل، هناك شخصيات مستقلة شاركت في الحوار، قائلة إن السلطات اقدمت بالفعل على خطوات ايجابية. وكان الرئيس السوري بشار الاسد قد اتخذ بعض الخطوات استجابة لمطالب المحتجين منها رفع 48 عاماً من حالة الطوارئ الذي استخدم لتبرير الاعتقال التعسفي والاحتجاز وحظر المعارضة. كما تمت الدعوة الى حوار وطني وصدر عفو عام يشمل اعضاء في كل الحركات السياسية بما فيها جماعة الإخوان المسلمين المحظورة ومنح الجنسية لنحو 150 ألفاً من المواطنين الاكراد في شرق البلاد. وعلى رغم غياب شخصيات بارزة في المعارضة، فإن الكثير من المشاركين في الجلسات الصباحية من اللقاء دعوا الى «التغيير» و «وضع حد للقمع» وتعديل المادة الثامنة من الدستور التي تتعلق بهيمنة حزب البعث العربي الاشتراكي على الحياة السياسية والاجتماعية. وعرض التلفزيون هذه المناقشات في تطور لافت. ومنطق الكثير من المشاركين هو ان الحوار أفضل من «ازمة مفتوحة في البلاد»، وأن مطالب الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي يمكن ان تتحقق في اطار منظم يحمي سورية من العنف او التدخلات الخارجية. وفي هذا الصدد، شرح الناشط الكردي عمر اوسي ما تعرض له الاكراد «من تهميش وإقصاء وقمع منذ خمسين عاماً»، وطالب خلال مداخلته امس في الحوار بتمثيل الاكراد سياسياً في الحكومة والبرلمان ومختلف المؤسسات وتساءل: «هل ستخرب الدنيا إذا كان هناك وزيران كرديان في الحكومة القادمة او عشرة نواب او 15 نائباً من اصل 250 نائباً». اضاف: «نحن نريد ممثلين حقيقيين للشريحة الكردية السورية في مؤسسات الدولة فنحن كرد سورية لن نرضى بهذا الظلم والتهميش والإقصاء بعد اليوم، فبقدر اعتزازنا بكرديتنا نفتخر بسوريتنا فنحن سوريون اولاً». اما الناشط المسيحي الاب الياس زحلاوي، فقال إن «ما جرى ويجرى جاء نتيجة حتمية وطبيعية لنهج سياسي عام وضع البلد وفق دستور في يد الحزب الواحد... فترتب على ذلك من جهة اولى ادعاء مفرط بقدرات هذا الحزب ومن جهة ثانية استبعاد لقدرات لا حصر لها لدى من استبعدوا». وأضاف: «لا اقول جديداً إن ذكرت بما نجم عن ذلك في ما نجم من مصادرة واسعة للحريات فكراً وقولاً وإبداعاً ومن عزلة واسعة ايضاً لأدمغة البلد وفنييها ويدها العاملة ومن انتشار لروح الخوف والانتهازية ومن انزلاق الكثيرين ممن حملوا سلطة ما في متاهة ما بتنا نسمّيه اليوم علناً الفساد الذي يشكل للأسف ان لم يعالج جذرياً وسريعاً اشرس اعداء سورية اليوم قبل الغد». وأجمع هؤلاء وغيرهم من المتحدثين على ادانة العنف ضد المدنيين ودعوا إلى تغيير حقيقي يشعر به المواطن السوري ويزيل مظالم استمرت لسنوات، كما اجمعوا على رفض كل أشكال الاستعانة بالخارج وكل أشكال العقوبات التي تفرضها الولاياتالمتحدة وأوروبا ضد سورية. وكان الناشطون على صفحة «الثورة السورية 2011» على «فايسبوك» قد دعوا الى مقاطعة الحوار الوطني. وقالت لجان التنسيق للمتظاهرين في بيان «ان اللقاء المذكور وكل ما ينبثق عنه لا يشكل بحال من الأحوال (حواراً وطنياً) حقيقياً يمكن البناء عليه». وأضافت: «تأتي خطوة النظام هذه تحت ضغط الاحتجاج الشعبي من جهة، ومن جهة أخرى استجابة لمطالبات دولية تسعى لإيجاد (حل سياسي) لما تسميه بالأزمة السورية، معولة حتى اللحظة على بقاء النظام، ورافضة أن تنزع عنه الشرعية التي سقطت أصلاً بعد نحو أربعة أشهر من العنف الممنهج ضد المتظاهرين السلميين». br / واعتذرت أطياف من المعارضة السورية عن المشاركة، فمثلاً رفضت هيئة متابعة توصيات اللقاء التشاوري الذي عقد في دمشق يوم 27 حزيران (يونيو) الماضي حضور المؤتمر. ومن ضمن الذين دعتهم السلطات للمشاركة في الحوار من قوى المعارضة «هيئة التنسيق الوطني لقوى التغيير الديموقراطي في سورية»، التي يرأسها المحامي حسن عبدالعظيم وتضم أحزاباً كردية وأخرى معارضة وشخصيات وطنية. كما تتضمن اللائحة معارضين آخرين مثل المحامي هيثم المالح والحقوقي هيثم مناع والأكاديمي برهان غليون والمفكر طيب تيزيني والكاتب ميشيل كيلو والمحامي أنور البني والناشط عمار قربي وآخرين. وتضم اللائحة أيضاً كتاباً كالروائي حنا مينه والكاتب الصحافي حسن يوسف واقتصاديين من أمثال الباحثين نبيل مرزوق ونبيل سكر وسمير سعيفان وفنانين كجمال سليمان وسلاف فواخرجي وإعلاميين بينهم مراسلو وسائل إعلام عربية وشخصيات اجتماعية.