حملت وفاء في يدها صورة قديمة لشقيقتها الصغرى غنى، وراحت تبحث في وجوه الناس حولها لتتعرف إليها بعد أكثر من أربع سنوات على خطفها على يد فصيل «جيش الإسلام» قرب دمشق، وكانت لا تتجاوز 12 عاماً. وبموجب اتفاق أعلنت عنه دمشق الأحد، أفرج «جيش الإسلام» في مدينة دوما في الغوطة الشرقية عن دفعة أولى من 50 مدنياً، كان خطفهم من مدينة عدرا العمالية شمال شرقي دمشق في كانون الثاني(ديسمبر) العام 2013. وكانت وفاء برهوم (33 عاماً) القادمة من بلدة مصياف في وسط البلاد، تبحث بالإضافة إلى شقيقتها، عن والدتها ووالدها وشقيقها الذين خطفوا جميعاً على غرار مئات آخرين من عدرا العمالية. وفي صالة الفيحاء في دمشق التي نقلت إليها قوات النظام السوري المدنيين المُفرج عنهم، كانت تدور بين الجموع، وتمعن النظر في وجوهم... إلى أن حالفها الحظ أخيراً لترى غنى واقفة أمامها. عانقت وفاء شقيقتها بشدة، ولم تترك يدها، ورددت «هذه هي رائحتها، لا يمكن أن أتوه عنها، عيناها ونظرتها هي ذاتها، لكنّها أصبحت صبية يافعة». تغيرت ملامح غنى التي بلغت عامها السادس عشر. فقد أمست أكثر طولاً وانسابت ضفيرتها السوداء الطويلة خلف ظهرها. وكانت الفتاة تنظر من حولها باستغراب. فهي ترى مشهداً غاب عنها لسنوات، وقالت لفرانس برس «كنت أحلم في صغري أن أكون طبيبة، ولكن حين خطفت بات حلمي فقط أن أخرج». لكن فرح العائلة لم يكتمل. فقد خرجت غنى مع والدتها، فيما يبقى مصير والدها وشقيقها مجهولاً. وإثرَ عملية عسكرية جوية وبرية وعمليتي إجلاء لمقاتلين معارضين، سيطر النظام على 95 في المئة من الغوطة التي شكلت لسنوات معقلاً للفصائل المعارضة قرب دمشق، لتبقى دوما وحدها تحت سيطرة «جيش الإسلام». وبعد تصعيد عسكري الأسبوع الماضي، أعلنت دمشق اتفاقاً نص على إفراج «جيش الإسلام» عن المخطوفين لديه وخروجه من مدينة دوما. وتتواصل عملية إجلاء مقاتليه مع عائلاتهم منذ مساء الأحد. فيما يفترض أن يتم الإفراج عن دفعات جديدة من مدنيي عدرا العمالية. وهناك آلاف الأشخاص المفقودين في سورية. ولا يُعرف ما إذا كانوا مخطوفين أو معتقلين، أحياء أو أمواتاً. ويُعد ملف المفقودين أحد الملفات الأكثر تعقيداً التي خلّفتها الحرب في البلاد منذ اندلاعها في العام 2011. ومع تقدم قوات النظام في الغوطة، وبدء تنفيذ اتفاقات إجلاء المقاتلين المعارضين منها قبل نحو ثلاثة أسابيع، يتوافد يومياً إلى المعابر المؤدية إلى الغوطة عشرات الأشخاص الذين يأملون رؤية أحبائهم. وارتفعت في صالة الفيحاء الرياضية أعلام روسية وسورية، وتجمع العشرات في ملعب كرة السلة والمدرجات حوله وأنظارهم موجهة إلى المدخل، وكلما دخل أحد المخطوفين السابقين، ارتفعت أصوات التصفيق والهتافات. وبدا التعب واضحاً على المفرج عنهم، حتى أن وجوههم كانت متسخة وثيابهم رثة. ونزعت سونيا ديّوب (43 عاماً) حجاباً أبيض وضعته على رأسها وخلعت عباءة سوداء ارتدتها فوق ثيابها، قبل أن تعانق شقيقها أسامة.