بدأت صحيفة «اليوم السابع» الإلكترونية الصدور في نسخة ورقية يومياً، لتكون أول جريدة مصرية تحصل على هذا الترخيص بعد «ثورة 25 يناير». وترافق الحدث مع أخبار عن دخول مساهمين جدد في رأس مالها، وهو أمر ارتبط بإشاعات كثيرة عن مصادر رأس المال الجديد ومدى تأثيره على توجهاته الجريدة التي كانت رائدة الصحافة الإلكترونية في مصر، إذ صدرت في شباط (فبراير) 2008 في ظل مناخ لم يخل كذلك من إشاعات أكثر قسوة عن ارتباط تمويلها بأشرف الشريف، نجل رئيس مجلس الشورى المصري السابق صفوت الشريف الموقوف على ذمة التحقيق في قضايا فساد، فضلاً عن تلقيها دعماً مباشراً من رجل الأعمال الهارب ممدوح إسماعيل الذي صدرت بحقه أحكام قضائية في قضية العبَارة «السلام» التي راح ضحية غرقها عام 2006 مئات المصريين. ويوضح رئيس تحرير «اليوم السابع» خالد صلاح أن هناك رجال أعمال دخلوا كمساهمين في الجريدة، وبلغت قيمة الصفقة 59 مليون جنيه (11 مليون دولار أميركي) وأبرز هؤلاء أحمد أبو هشيمة، ومحمد المرشدي، ومحمد الأمين أحد شركاء رجل الأعمال الشهير منصور عامر، وعلاء الكحكي الذي يعمل في مجال الإعلان، فضلاً عن حصة رئيس مجلس الإدارة وليد مصطفى. وارتبط هذا التغيير بخروج المساهمين المؤسسين وأولهم أشرف صفوت الشريف المقيم حالياً في باريس. يأتي كلام صلاح على خلفية معلومات ترددت أخيراً عن أن هذه الصفقة «صورية»، بدليل أن الصحيفة لم تعلن تفاصيلها للرأي العام حتى الآن، وهو أمر برره رئيس تحريرها بعوامل المنافسة وحساسية التوقيت، لكنه أكد نيته إعلان تفاصيل الصفقة بشفافية تامة في أقرب وقت. ويرى صلاح أن الثقة التي أعطاها القراء للجريدة لتحقق نجاحاً مدوياً كأول جريدة إلكترونية في مصر، يكذب أي ادعاء بصدورها عن رأس مال من مصدر مشبوه، ويقول: «الجريدة حاصرتها الإشاعات منذ البداية وكصحافي محترف جئت للعمل في مشروع قدمته شركة مسجلة في هيئة الاستثمار ومنحها المجلس الأعلى للصحافة وجهات كثيرة ترخيص الصدور. وهذا يعني بالنسبة إلي دليلاً دامغاً على اطمئنان أجهزة الدولة لمصادر التمويل. فمسؤوليتي ليست التفتيش في مصادر التمويل لأن هذا الأمر هو مسؤولية أجهزة الدولة». وينفى صلاح أي صلة بين الجريدة وممدوح إسماعيل، متسائلاً: «ما هي مصلحته في تمويل جريدة لم تكتب عنه كلمة إيجابية في أكثر من 133 عدداً أسبوعياً مطبوعاً، عدا الوجود الإلكتروني إذ في إمكان أي قارئ إجراء عملية بحث للتأكد من ذلك؟»، لافتاً إلى أن كل المواد الصحافية التي نشرت عن الرجل كانت «سلبية»، وساخراً من الأحاديث التي راجت في هذا الشأن بعدما سرّبت مواقع إلكترونية مكالمة هاتفية لصلاح مع شخص اسمه عمرو زعم مناهضو صلاح انه «نجل رجل الأعمال الهارب». وفي المكالمة يتحدث رئيس تحرير «اليوم السابع» عن مواءمات حكمت سياستها التحريرية لكي لا تبدو متورطة في علاقات مشبوهة مع أجهزة أمنية ورموز في النظام السابق. ويشير صلاح إلى أن «الالتباس» الدائر في الأوساط الصحافية حول مصادر تمويل جريدته في مرحلة الإصدار اليومي، يعود إلى «منافسين من شركات إعلانية تعمّدت منذ البداية الإضرار بالصحيفة لكون رئيس مجلس إداراتها أحد أبرز أباطرة هذا السوق، فضلاً عن المخاوف التقليدية التي وقفت وراءها صحف كبرى لم تتقبل المنافسة من صحف تتبنى مفاهيم جديدة». ولا ينسى صلاح أن يؤكد أن ما راج عن سيطرة أشرف صفوت الشريف على الصحيفة «نوع من الأكاذيب والشائعات التي كانت جزءاً من حملات التشويه». ويقدم رئيس تحرير «اليوم السابع» دليلاً على مهنية صحيفته بقدرتها على عدم التورط في تقديم أي معالجات متواطئة في قضايا الفساد المنظورة أمام الجهات القضائية في مصر حالياً. ويعتبر أن المستوى المهني «الفائق الجودة الذي قدمته الجريدة جعلها الموقع الإخباري المصري الأهم»، ويقول: «تعرضنا لإشاعات منذ اليوم الأول، ولكن مهنيتنا كانت قارب النجاة». وحول عدم وجود مؤشرات إلى تغيير أصاب السياسة التحريرية على رغم تغيير خريطة المساهمين فيها، يقول صلاح إن «عدم تغيير السياسة التحريرية يؤكد مهنية الجريدة التي سعينا منذ يومها الأول إلى أن نفصل بين تحريرها وملكيتها، كذلك كانت اللغة التحريرية في الموقع الإلكتروني مختلفة كلياً عن اللغة ذاتها في العدد الأسبوعي، وبالتالي الإصدار اليومي الجديد». وهو يشدّد على أن صحيفته منذ يومها الأول تنادي بالدولة المدنية وتتبنى قيماً ليبرالية وتدعو إلى حماية قيم العيش المشترك، مؤكداً أن الطاقم التحريري في الصحيفة يضم كل أطياف القوى السياسية حمايةً للتنوع ودعماً له، لكن هؤلاء جميعاً ملتزمون سياسة تحريرية معلنة جرى استلهامها من «كتاب الأسلوب» الذي وضعته مؤسسات «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) مع قدْر من «التمصير». ويؤكد رئيس تحرير «اليوم السابع» أن الجريدة تمول نفسها بالكامل من عقد الإعلانات مع شركة «ميديا لاين» وقيمته 21 مليون جنيه مصري (3,7 مليون دولار) سنوياً، فيما لا تزيد نفقاتها عن 15 مليون جنيه، أي أنها تحقق فائضاً يقترب من 6 ملايين جنيه سنوياً. ويشير صلاح إلى أنه مع دخول مساهمين جدد جرى ضخ نحو 6 ملايين جنيه مصري لتغطية نفقات الإصدار اليومي. ويوضح أن الإصدار اليومي للصحيفة «دفعها إلى دعم طاقهما التحريري بعناصر جديدة في غرفة التحرير المركزي لتقديم معالجات للموضوعات التي تظهر في الإصدار الإلكتروني، وتبديل طبيعتها لملاءمة الإصدار المطبوع. كذلك زاد عدد محرري قسم التحقيقات الاستقصائية، وهي صحافة «لا وجود لها في مصر»، وفق وصف صلاح الذي يرفض الكشف عن أرقام توزيع الإصدار اليومي في أسابيعه الأولى، مؤكداً أنها «أكثر من جيدة»، ومتوقعاً أن تشهد تراجعاً معتاداً في الأيام التالية، لكنها ستعاود الارتفاع - وفق تقديراته - لتصل إلى الذروة في أيلول (سبتمبر) المقبل مع اشتداد حمى المنافسة السياسية في ظل الانتخابات البرلمانية المقبلة والتي تشهد استقطاباً بين مختلف القوى السياسية. ويقول صلاح: «نحن نمضي بخطوات مدروسة ولا نهرول أو نزعم تميزاً غير موجود». ويتوقع صلاح أن تشهد الشهور المقبلة «منافسة قاسية» مع الصحف المصرية الأخرى، «لأن كثيراً من الصحف الموجودة ستعمل على ضخ استثمارات جديدة وتعمل على تجديد دماء كوادرها الصحافية ويزيد من صعوبة المنافسة الصحوة التي تشهدها الصحف القومية، ما يحمل الصحف المستقلة أعباء لم تكن موجودة في ظل نظام مبارك، فضلاً عن محدودية السوق وثبات عادات القراءة واحتكار المؤسسات القومية لسوق التوزيع». ويشدد صلاح على أن التحوّل إلى الإصدار اليومي المطبوع يدعم الإصدار الإكتروني ولا ينافسه، لافتاً إلى أن كل الإحصاءات التي تنشر في العالم العربي عن تراجع الصحافة الورقية لمصلحة الصحافة الإلكترونية غير دقيقة: «في الميديا الوسيط الجديد يدعم الوسائط القديمة ولا يلغيها، لكن التحدي الجديد هو كيفية تطوير الورقي ليجاور الإلكتروني ويلائم متغيرات صحافة التواصل الاجتماعي التي تنتج أخباراً لا حصر لها». ويدلل صلاح على صدق مقولته بمعلومة تؤكد أن عدد النسخ المطبوعة في الصحف المصرية بعد «ثورة يناير» زاد في حدود مليون ومئتي ألف، «وذلك على رغم إدمان الفضائيات وصحافة الإنترنت»، متوقعاً أن تشهد السوق المصرية على الصعيد الصحافي تغييرات لافتة تدفع نحو مزيد من الصحف الخدمية والتحقيقات الاستقصائية التي تقود قارئها إلى معرفة جديدة ولا تسعى إلى إثبات فرضيات مسبقة أو تفسر الماء بالماء»، معتبراً أن السوق تتسع للجميع: «لا توجد صحيفة يمكن أن تزعم الانفراد بالقمة».