في لقاء جمع من السوريين لبناء الجمهورية العربية السورية الثانية (الجلسة التشاورية للحوار الوطني السوري امس واليوم في دمشق)، لا بد من وضع النقاط على الحروف: نجتمع لبناء دولة الحق والقانون والتعددية والديموقراطية، دولة لا تقصي رأياً ولا تحتكر سلطة. دولة لا تفكر باختزال السلطة إلى فكرة واحدة أو نظرية أو حزب واحد وتقبل المتنوّع من التفكير. وبالتالي لتنظيم تغيير النظام السياسي إلى نظام سياسي جديد عادل وتعددي، أساسه قبول صناديق الاقتراع حكماً (حيث الشعب هو مصدر التفويض والسلطة). علينا أن نسمي الأشياء بمسمياتها. ولكن، علينا أن نعترف سلفاً أننا نمارس مغامرة، مغامرة ولوج ما لم نعتد عليه. فنحن جميعاً ننشد الديموقراطية ونحن لسنا جميعاً ديموقراطيين. نريد ثقافة المتعدد لكن غالبيتنا لم تعتد على ثقافته. وهنا تكمن المغامرة لأن لا ديموقراطية بلا ديموقراطيين. علينا أن نرسي ثقافة جديدة؛ نحتاج زمناً كي نعتاد عليها ونألَفها، وزمناً كي تترسخ في قواعد سلوكنا... وهنا المغامرة الكبرى. ومنذ اللحظة الأولى في هذا المؤتمر (بدأ انعقاده أمس وينتهي مساء اليوم) علينا أن نحترم الاختلاف فلا قول (اللا) يجعل البعض يتهم صاحب (اللا) بالتآمر، ولا قول (نعم) يعني تهمة الانصياع والانتهازية. كلاهما موقف ورأي، وكلاهما يجب أن يُحترم من دون قيمة مضافة من التقويم والاتهام والازدراء. وهنالك نصف لا ونصف نعم، فنحن لا نختلف على الفروق فقط بل على الفروق الدقيقة (الفويرقات). وعلينا أن نمارس فعل قبول الآخر طالما أننا جميعاً تحت سقف وطن هو الجمهورية العربية السورية. وعليه فنحن نمثل المعارضين والموالاة وفئة ثالثة لا معارضة ولا موالية، هي تارة هنا وتارة هناك بحسب الموضوع وبحسب المصلحة وبحسب الزمان والمكان. نريد أن نعترف سلفاً أن الجميع موجود وله قيمة، وأن الحياة السياسية لا تنقسم إلى نعم ولا وأبيض وأسود، وإما معنا أو ضدنا. لا امتياز لأحد على أحد، جميعنا مواطنون لا رعايا. لا شروط على الحوار. فالحوار يحدث بين مختلفين لا بين متفقين، لأن حوار المتفقين نوع من التسامر، ونحن مختلفون، وهذه طبيعة الحياة والوجود. لهذا نقترح التالي قواعدَ للحوار الوطني في هذه الورقة التي نريدها وثيقة أولى من وثائق المؤتمر، وهي على النحو التالي: 1- الاحتكام للحوار، وفقط الحوار هو طريقنا لبناء سورية جديدة. 2- رفع الحد على العنف، مطلق العنف. لا للعنف. 3- ضرورة الحفاظ على ميراث الدولة وهيبتها وسلطتها كمنفذ للقانون، من أجل تطورها؛ في هذه المرحلة الانتقالية؛ أي الرفض المطلق للمنطق الذي يقول «إذا لم تخرب لا تُعمّر»، وذلك حرصاً على ميراث الأجيال السابقة واللاحقة. نريدها أن تُعمّر وتعمّر. إننا في المؤتمر كي نبني لا كي نخرب فنبني!. والتاريخ الصحيح هو تاريخ تصحيح الأخطاء لا تاريخ الهدم والبناء. 4- جميعنا مواطنون من الدرجة الأولى. لا امتياز لأحد على أحد. ولا رعايا. نحن جميعاً أحرار في وطن هو سورية. 5 - نجتمع في المؤتمر لإقامة دولة الحق والقانون والديموقراطية كتداول السلطة وإرساء حقوق الإنسان وقبول التعددية. 6- نحضر في هذا المؤتمر كي نقويّ سورية لا كي نضعفها. 7- المطلوب التعالي على السلطة وعلى الجراح وأن نطوي صفحة آلام الماضي، لا أن ننقلب على ماضينا. في ماضينا مآثر علينا الحفاظ عليها وفيه أخطاء يجب أن تصحح، كي تصبح سورية أقوى فأقوى. لا أقوى فأضعف. 8- لا سلطة لأحد على أحد في مؤتمر الحوار. السلطة تفويض من الشعب لا تسلط. والمرجعية أولاً وأخيراً لنا جميعاً، هي الشعب وإرادة الشعب ومصلحة الشعب. 9- لا نجتمع كي نفرض رأياً على آخر. نجتمع كي نتشاطر الرأي ونتقاسمه. نحن لا نجتمع كي نكاسر إرادات بعضنا البعض. نحضر من أجل مقاسمة الإرادات. 10- علينا أن نرسي قاعدة قبول التعدد حتى في القوميات والإثنيات كثقافة هي جزء لا يتجزأ من متنوعات سورية، وثراء دولة هي عبر التاريخ مثال للتعدد والتسامح، (لا كرماً)، بل لأنها هكذا، فنحن أديان وطوائف وأقوام ... منذ عمق التاريخ. ولهذا فنحن أول حاضرة في التاريخ، وسنبقى. ولهذا أيضاً فنحن دولة الجميع وبقدر احترامنا للتنوع بقدر انتمائنا إلى وطن واحد. وعروبتنا تاريخ وقضايا وانتماء وليست عروبة عنصرية. 11- لأننا متعددون: لا لدولة دينية أو طائفية أو شوفينية أو إثنية. 12- نرفض أي وصاية أو تدخل خارجي مهما كان، وبأي صورة كان، وبشكل خاص ما يدعى «التدخل الإنساني»! مسؤولون أمام التاريخ وأمام الأجيال عن صنع مستقبل أفضل، لهذا لن يكون أمامنا إلا أن نرفض السجال وأي تدخل خارجي في شؤوننا الوطنية، وسيكون لزاماً علينا الحوار وسرعة الإنجاز قطعاً للطريق على استثمار الأزمة الداخلية خارجياً أو الدخول في متاهة الفوضى. لن يرحمنا التاريخ إن لم نلتقط هذه اللحظة الفاعلة في تاريخ بلادنا لنصنع غداً أفضل ونحمي ميراث بلادنا كبلد حامل للقضايا. * كاتب سوري