تنشط في الولاياتالمتحدة الأميركية وغيرها من دول العالم الأول عصابات متخصصة في ابتزاز الشركات والشخصيات العامة والمشاهير في إطار «قضايا التعويضات أو التسويات» التي برزت بشكل لافت خلال العقود الثلاثة الماضية وسجلت أحكامها أرقاماً بليونية، وهي نتاج طبيعي لنوعية الأنظمة القضائية في تلك الدول، التي ليس بمستغرب فيها أن يتم الحكم على متهم بقضية تحرش جنسي بزميلته في العمل مثلاً بتعويض الضحية بمبلغ يتجاوز مليون دولار، نظراً للأضرار النفسية التي سببها لها، وقد تعرض تلك الزميلة على زميلها المتهم قبل صدور الحكم أن تتنازل عن القضية مقابل نصف مليون دولار مثلاً ك«تسوية» بين الطرفين و «يا دار ما دخلك تحرش»، ولأن البعض قد يعتبرون حديثي هذا من باب المبالغة فلابد من إيراد نماذج من الواقع ففي شهر آذار (مارس) 2009 أفرجت السلطات الأميركية عن رجل يدعى «تيم كروبي» متهم بالتحرش الجنسي بعد أن أمضى نحو ست سنوات في السجن من أصل 17 سنة (مدة الحكم) شريطة أن يدفع تعويضاً للضحية مقداره 19 مليون دولار أميركي، منها مليون دولار من أجل إنفاقها على علاجها في المستقبل و18 مليون دولار بسبب الشعور بالأذى والألم والمعاناة الذي تعرضت له في الماضي. طبعاً؛ مثل هذه المعلومات يجهلها معظم المبتعثين السعوديين الجدد أو الذين يطمحون للدراسة في تلك الدول؛ نتيجة للقصور الكبير في توعيتهم من قبل الجهات المختصة التي ترسلهم إلى عالم مختلف تماماً عما اعتادوا عليه، وتجعلهم يلاقون مصيرهم ويتعلمون بأنفسهم، لدرجة أن بعضهم قد يجد نفسه فجأة في أقصى الغرب الأميركي وهو لا يتقن أكثر من 10 كلمات باللغة الإنجليزية، والحجة أنه سيتعلم اللغة هناك بشكل أسرع، هذا طبعاً بخلاف بقية الأشياء التي لن يتمكن من تعلمها هناك إلا في قاعة المحكمة إن قُدر له ذلك، حتى بات المبتعث السعودي «صيداً دسماً» لكثير من العصابات التي تبتكر الحيل لابتزازه مادياً نتيجة جهله بالقوانين. قبل أيام تداولت الصحف الأميركية خبر القبض على شابين سعوديين بتهمة اغتصاب فتاة «مخمورة» التقيا بها في بهو البناية التي يسكنانها وطلبت منهما إرشادها إلى شقة صديقتها، فما كان منهما إلا استغلال وضعها وإدخالها إلى شقتهما واغتصابها بحسب البلاغ الذي تقدمت به لاحقاً، وهذا يعني أنهما ينتظران حكماً قاسياً إن لم يتوصلا لتسوية مع تلك «المخمورة». شخصياً أرجح بنسبة كبيرة أن الشابين وقعا في فخ نُصب لهما من قبل تلك الفتاة التي ربما خططت للأمر بعد أن علمت بأنهما سعوديان. من يعرف سلوك عصابات التعويضات والابتزاز عن طريق المقاضاة في الولاياتالمتحدة ويعرف أيضاً مدى سذاجة كثير من المبتعثين السعوديين صغار السن سيصل لنفس النتيجة التي وصلت إليها، وهو أن هؤلاء المبتعثين بحاجة ماسة للتثقيف بقوانين الدول التي يتم ابتعاثهم لها بجانب تثقيفهم بآليات عمل العصابات هناك والحيل التي قد يتعرضون لها لتنهي مستقبلهم بغلطة لم يحسبوا حسابها، وهذا الدور تحديداً يقع على عاتق وزارتي التعليم العالي والخارجية، خصوصاً إذا علمنا أن دولاً أخرى بعضها مجاورة تلحق طلابها الذين تبتعثهم إلى الولاياتالمتحدة بدورة توعوية عنوانها «الوجه الآخر لأميركا» قبل أن يحملوا حقائبهم إليها. [email protected]