تشهد دائرة المتن الشمالي في جبل لبنان واحدة من أشرس المعارك الانتخابية. وتدور المنافسة فيها بين خمس لوائح بعضها مكتملة والأخرى ناقصة. ويتوقع مراقبو التحضيرات الجارية لخوض الانتخابات ارتفاع منسوب الاقتراع فيها بنسبة غير مسبوقة ما يصعّب التكهن بنتائجها، خصوصاً أن من المحال أن تفوز أي لائحة بمقاعدها الثمانية الموزعة: 4 موارنة و2 أرثوذكس وواحد لكل من الكاثوليك والأرمن الأرثوذكس. ويؤكد المراقبون أنفسهم أن تبادل الخرق بين اللوائح أمر حاصل ولا مفر منه، لا سيما بين 4 لوائح ،الأولى مدعومة من تحالف «التيار الوطني الحر» وحزبي «الطاشناق» و «السوري القومي الاجتماعي»، والثانية برعاية حزب «القوات اللبنانية»، والثالثة بزعامة رئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل، والرابعة يرعاها نائب رئيس الحكومة السابق ميشال المر، والخامسة هي حصيلة ائتلاف شخصيات من الحراك المدني والمستقلين. ويلفت هؤلاء إلى أن لوائح «الكتائب» و «القوات» والمر تتميز عن لائحة تحالف «التيار الوطني- الطاشناق- القومي» بقدرة رعاتها على تنظيم عملية الاقتراع، خصوصاً بالنسبة إلى الصوت التفضيلي. ويعزون السبب إلى أن على رأس هذه اللوائح مرجعية واحدة لديها القدرة على إدارة حساباتها الرقمية، فيما تدار لائحة التحالف الثلاثي بثلاثة رؤوس والمسؤولية الكبرى في توزيع أصوات المقترعين تقع على «التيار الوطني» في مقابل حرص «الطاشناق» و «القومي» على حصر الصوت التفضيلي بمرشحيها هاغوب بقرادونيان وغسان الأشقر. وبكلام آخر، كما يقول المراقبون، فإن «التيار الوطني» سيكون مضطراً إلى تأمين وصول مرشحيه الستة إلى بر الأمان، ومن ضمنهم المرشح الماروني سركيس سركيس الذي انضم إلى اللائحة بتدخل مباشر -وفق ما يردد هؤلاء- من مرجعين سياسي وروحي. ناهيك بأن لائحة التحالف الثلاثي -وفق المراقبين أنفسهم- تتمتع بحضور «قومي» بارز، في إشارة إلى وجود الأشقر في هذه اللائحة، إضافة إلى المرشحة المارونية كورين الأشقر ابنة رئيس بلدية ضبيه قبلان الأشقر المحسوب على الحزب نفسه، وأيضاً الوزير السابق المرشح الأرثوذكسي إلياس بوصعب، الذي لم يتنكر في يوم من الأيام لأصوله «القومية»، فكيف إذا أضيف إلى هؤلاء الثلاثة المرشح على لائحة المر القومي ميلاد السبعلي (جناح علي حيدر) والذي يحظى بتأييد قوميين من جناحَي الحزب؟ ويرى المراقبون أن «التيار الوطني» يحاول ضبط إيقاع المنافسة بين «الأشقرين» غسان وكورين وبين بوصعب، وهذا يتطلب منه ترسيم الحدود بينهم لقطع الطريق على خصومه الذين يحاولون الإفادة من الحضور البارز ل «القومي» وتوظيفه في حملاتهم الانتخابية لكسب تأييد البعض في الشارع المتني بذريعة أنه لم يهضم مثل هذا الحضور. ومع أن هؤلاء يرجحون حصول خرق للائحة التحالف الثلاثي من لائحتي «الكتائب» و «القوات»، فإن لدى المر -كما تنقل عنه مصادره- ملْء الثقة بأنه سيسجل خرقاً مماثلاً للائحة، مستفيداً من الحصار السياسي الذي فرضه رئيس «التيار الوطني» الوزير جبران باسيل الذي كان وراء إبعاده من الائتلاف معه، على رغم إصرار «الطاشناق» على أن يكون أحد أعمدتها. لكن «الطاشناق» اضطر على مضض إلى الرضوخ والتسليم بإبعاد المر، بغية استيعاب تهديده بفك ارتباطه الانتخابي به في دائرتَي بيروت الأولى وزحلة، وهذا ما أتاح للمر -وفق مصادره- كسب عطف الكثيرين من المتنيين. إلا أن عزوف مرشحين عن خوض المعركة على لائحة المر لم يمنعه من تشكيل لائحة خماسية تضم أربعة مرشحين إضافة إليه، وهو يبدي تفاؤلاً بالفوز بالمقعد الأرثوذكسي الثاني. لذلك، يتطلع المر إلى الثأر من إصرار باسيل على محاصرته انطلاقاً من حساباته بأن المنافسة ستدفع حتماً إلى إعادة خلط الأوراق لجهة الاتجاه العام للمقترعين، فيما ينطلق كل من «القوات» و «الكتائب» في خوضهما الانتخابات على لائحتين منفردتين، من برنامجهما السياسي لمنع «التيار الوطني» من وضع يده بالكامل على المتن الشمالي. وعليه يصعب على «التيار الوطني» التفرد في تمثيل المتن الشمالي وستكون له «القوات» و «الكتائب»، إضافة الى المر بالمرصاد، لما تنطوي عليه المعركة من حسابات رئاسية يراهن باسيل من خلالها على أنه سيصل إلى البرلمان بأكبر كتلة نيابية يمكن أن يحولها «رقماً صعباً» يحسب له ألف حساب في المعركة الرئاسية المقبلة على خطى مؤسس «التيار الوطني» رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، على رغم صعوبة استنساخ الظروف نفسها التي أوصلت الأخير إلى الرئاسة. كما أن باسيل من وجهة نظر «القوات» و «الكتائب»، لا يقيم تحالفاته الانتخابية من منظور سياسي، وإلا كيف يدافع عن تحالفه مع مجموعة من الأضداد الذي يظن أنه سيؤمن له دخول البرلمان بأكبر كتلة نيابية، مع أنه قد يخطئ في حساباته الانتخابية وسيجد نفسه بعد إنجاز الاستحقاق الانتخابي أمام واقع سياسي جديد عندما يضطر بعض من يحالفه الحظ للفوز، إلى التموضع فوراً في معسكر غير المعسكر الذي يتزعمه هو شخصياً.