كثير من الصدامات التي تقع بين الآباء والأبناء، وكذلك بين الطلاب والمعلمين، بل بين البشر غالباً ما تحدث بسبب سوء الفهم، وعدم مراعاة مراحل النمو المختلفة، ومتطلبات النمو في كل مرحلة بما يوقع الناس في الالتباس، وسوء الفهم والتأويل، ومن هنا كانت هذه الدراسة للدكتور ابراهيم الشافعي تحت عنوان «المرشد الأمين للآباء والمربين في النمو الإنساني من مرحلة الجنين إلى مرحلة المسنين» التي استطاعت ان تلافي هذا الصدام والصراع أو على أقل تقدير تخفيف حدته. تطرق الكاتب في الفصل الأول من الكتاب إلى تعريف علم نفس النمو بأنه ذلك العلم الذي يتناول بالدراسة والتحليل كل ما يطرأ على الفرد الناشئ من نمو وتطورات في كل مرحلة من مراحل حياته، والهدف منه هو تحديد كل التوقعات لدى الآباء والمربين عما سيكون عليه الطفل الراشد في كل مرحلة إنمائية..حدد الكاتب تلك المراحل الإنمائية والتي تبدأ من سن المهد والطفولة المبكرة والتي تبدأ بتعلم الجلوس ثم الحبو ثم تعلم المشي، وتعلم الأطعمة، والاعتماد على الذات، ثم الكلام والتعبير عن الذات. ثم تأتي مرحلة الطفولة الوسطي وتبدأ في الغالب بتعلم اللعب والمهارات كركوب الخيل والدراجات ونحوها، ثم تعلم القراءة والكتابة وتكوين صداقات، وجماعات اللعب ونحوها، تعلم الضمير وتمثيل القيم الدينية، وتأتي مرحلة المراهقة والتي تبدأ عن الإنسان بتكوين مفهوم جسمي ونفسي وطموحات للفرد، إشباع الهوايات وتحقيق التفكير المبدع المميز، الانتماء إلى جماعة تتفق مع قيم المراهق واتجاهاته، كذلك تحمل المسؤولية والقيام بالأدوار الاجتماعية المناسبة ويقول الكاتب: (إن مطالب النمو هذه تختلف من مجتمع لآخر، ومن ثقافة لآخر بحسب المحددات الذاتية لكل مجتمع ولكل ثقافة..). ويأتي الفصل الثاني مرتبطاً ببعض العوامل المؤثرة على النمو في الإنسان ومنها عامل (الوراثة) والتي تنتقل عبر الجينات من جيل الآباء والأجداد إلى جيل الأبناء، وهذه الصفات الوراثية ذات طابع بيولوجي كما يقول الكاتب كما أنها ليست مكتسبة مثل «لون العين، الطول، الضخامة، حمرة الشعر أو شقرته» أما الصفات الأخرى كالذكاء وسرعة الاستجابة أو تراخيها والعادات والميول فلا تنتقل عبر اللفافة الوراثية التي تنتقل من جيل إلى آخر، كذلك من العوامل المؤثرة على مظاهر النمو عامل «النضج والتعلم» وهم ناتج القراءة والكتابة المحصلة للفرد في حياته وتعلم الحساب والهندسة وكذلك العلوم الأخرى، ويرى الكاتب أن عامل الوراثة والعوامل والمتغيرات البيئية لهما أثر لا ينكر في مظاهر النمو والتعلم والتوافق النفسي في الإنسان. وتأتي العوامل البيئية والاجتماعية والثقافية من ضمن العوامل المؤثرة في نمو الفرد، ويرى الكاتب أن هناك متغيرات تختلف فيها الأسر من حيث القيم السلوكية والعادات المكتسبة من خلال تلك البيئة منها: المستوى الاجتماعي والاقتصادي للأسرة، كذلك الترتيب الميلادي ويقصد به ترتيب الطفل بين إخوته، وأعمار الوالدين ويقصد به العمر الميلادي لكلا الأب والأم عند إنجاب الطفل ذلك أن السلامة الصحية والخلو من الأمراض غالباً ما يرتبط بنمو الفرد ومكتسباته. ويتعرض الكاتب في الفصل الثالث لعدد من مناهج البحث في علم النمو الإنساني كمنهج البحث التاريخي والذي يهتم بفهم الإنسان وتطوره، ومنهج البحث التجريبي الذي يهتم بدراسة المتغيرات على الأفراد والأثر الرجعي عليه من تلك المتغير، كذلك منهج البحث الكلينيكي والقائم بدراسة الحالات المرضية والذي يبدأ بالتشخيص والعلاج ومن ثَم الوقاية. ويسرد الكاتب في الفصل الرابع نظريات نفسية عدة تدرس طبيعة النمو الإنساني فنجد نظرية التحليل النفسي وهي بمثابة أولى النظريات العلمية التي ظهرت في مجال الشخصية والعلاج والتي من شأنها دراسة الطبيعة الإنسانية من حيث إشباع الحاجات الجسمية لدى كل إنسان، كذلك تتعرض هذه النظرية إلى غرائز الإنسان وصراعه مع الآخرين وعرض الكاتب نظريات أخرى لبعض علماء التحليل النفسي مثل نموذج (إريكسون) الإنمائي، ونظرية (بياجه) في النمو العقلي المعرفي، ونموذج (كولبرج) في النمو الأخلاقي، كذلك نموذج (جيمس رست) في نمو الحكم الخلقي.. ويأتي الفصل الخامس والذي يدرس مراحل النمو ومظاهره، ويوضح فيه الكاتب أن لكل مرحلة من مراحل النمو مظاهر تتميز بها، ومن أولى مراحل النمو كما هو معلوم المرحلة الجينية (ما قبل الميلاد) والتي تبدأ بعد عملية التناسل بين الأب والأم وتظل حتى تسعة أشهر، ثم تأتي مرحلة الطفولة (من الميلاد وحتى المراهقة) ولهذه الفترة خصائص عدة منها وزن الجسم والذي يتراوح مابين 15-17 كجم، كذلك الطول وظهور الأسنان اللبنة، وتتطور هذه المرحلة إلى النمو الحركي والنمو العقلي والتي ترتبط بكثرة الأسئلة من الأطفال. وتأتي المرحلة الثانية من مراحل النمو ألا وهي مرحلة الطفولة الوسطى والتي تبدأ من سن 6-12 وفيها يستمر الجسم بزيادة الوزن والطول ويزداد كذلك النمو العضلي واهم ما يميز هذه المرحلة كما يقول الكاتب انها مرحلة دمج مظهرين أساسيين وهما النمو الجسمي والنمو الجنسي في تلك الفترة عند الأطفال ويستمر كذلك النمو اللغوي والعقلي أيضاً النمو الاجتماعي باتساع دائرة العلاقات الاجتماعية وتكوين الأصدقاء، ويتبعه النمو الخلقي والتي تتعلق بمفهوم الضمير ومن ثم المعتقدات والعادات التي يتقبلها الفرد في هذه المرحلة ثم يتحول إلى أن يصبح ذاتياً داخلياً ووكيلاً عن سلطة الأبوين في تقدير المواقف والحكم على صوابها وخطئها. وينبهنا الكاتب في الفصل السادس من الكتاب إلى أخطر مراحل هذا النمو وهي مرحلة (المراهقة) والتي يجهل البعض من المربين كيفية التعامل مع أبنائهم فيها.. فيقول: «والمراهقة تحديداً تمثل مفرق طرق في حياة الكائن البشري إذ قد يتجه النمو في مسار سوي وتتأصل صفات الإنسان في أعلى مراتبه، أو تكون الأخرى فيتجه النمو في اتجاهات أخرى لا تحمد عقباها غالباً..»، وتتميز هذه المرحلة بحدوث طفرات في النمو هائلة وتشمل نمو العضلات، ونضوج التفكير والعقل بصفة عامة...ويوجه الكاتب نصائح عدة ينبغي للآباء والمربين مرعاتها في التعامل مع الأفراد المراهقين ومنها: تقبل المراهق والتماس العذر له في أخطائه، إتاحة الفرصة أمامه للتعبير عما يدور بداخله، الإقلال من النقد الجارح وإبداء الاحترام والثقة اتجاهه. ويشرح عملية التنشئة والتربية في ظل الدين الإسلامي ووضع لها نظريات اجتماعية عدة تفسر تلك التنشئة وكيفية القيام بها.. فتعرض الكاتب لبعض المشكلات والسلوكيات التي تتصف بالانفعال في مرحلتي الطفولة والمراهقة مثل: الإدمان والخجل والهروب من المدرسة والغيرة، كذلك التخلف العقلي الذي يلحق ببعض الأولاد.