المراهقة مرحلة انتقالية في حياة كل إنسان، وهي من أخطر المراحل السنية؛ لأنها تشكل مستقبل الإنسان وتشهد تكوين قناعاته، فإذا اجتاز المراهق هذه الفترة بسلام ينجو بقية حياته، وإذا تعرض فيها إلى "مطبات" أخلاقية فإنه يعاني بقية عمره. فكيف يتسنى للآباء أن يساعدوا أبناءهم على تخطي هذه الفترة الحرجة؟ وماذا ينبغي على المدرسين والتربويين أن يفعلوه؟ وما هو دور المجتمع؟ وكيف له أن يساعد هذا المراهق ويتقبله بين أفراده ولا يشعره بأنه كائن غريب عنه؟ وهل لوسائل التوجيه الأخرى مثل المسجد دور في هذه المرحلة؟ "الرسالة" سعت نحو مجموعة من الأكاديميين وأساتذة الجامعات واستطلعت آراءهم ووضعت أمامهم هذه الأسئلة فكانت المحصلة التالية: مرحلة انتقالية في البداية يوضح الداعية بمركز الدعوة بمكة المكرمة الدكتور محمود بن محمد المختار الشنقيطي قائلًا: لا بد من وقفة عند مصطلح "المراهقة" لغة وشرعًا واصطلاحًا؛ لأنه من المصطلحات التي لاكتها النظريات الغربية فحرفتها عن الجادة. فهي مرحلة انتقالية من الطفولة إلى الشباب، ومن عدم التكليف والعذر، إلى كتابة القلم عليه والمؤاخذة والمسؤولية عن نفسه. والمفهوم الإسلامي، لا يعتبر المراهقة مرحلة جنون وطيش ونزغ واضطرابات نفسية وعقلية وفسيولوجية لا يمكن التحكم فيها والسيطرة عليها. ونفى الشنقيطي أن يكون كل مراهق أرعن التصرفات، وقال: الشريعة السماوية لا تنظر لتصرفات المراهق من هذه الزاوية، فتتطرف كالفلسفات الأرضية وتبرر له، وتتقبل تأجيج نيران غرائزه ودوافعه ورغباته ونزواته؛ بل توجب على الأبوين التربية الصالحة وتأمرهما بدفع ابنهما للجاهزية من مرحلة الطفولة، حتى إذا بلغ المراهق مرحلة التكليف، وجرى عليه القلم بكتابة الحسنات والسيئات، كان للجرعة التي أخذها قبل هذه المرحلة دور كبير في جعله يتحكم في تصرفاته، وهذه المرحلة هي "مرحلة تفجر الغرائز". وأضاف الشنقيطي قائلًا: القرآن الكريم حكا نماذج لمراهقين قدوات، مثل النبي إبراهيم عليه السلام، صاحب الفطرة السليمة والعقيدة الصحيحية التي لا تقبل الذوبان في احتفالات قومه الشركية، وترفض التقليد والمحاكاة والذوبان في شخصية المجتمع غير السويّ، فقام بفأسه يكسر الأصنام، ليرسل رسالة رفضه للشرك في مجتمعه قال تعالى: "سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم"؛ وهذا الشاب المراهق الآخر إسماعيل عليه السلام، يضرب مثلًا للمراهقين في التسليم لأمر الله، والتضحية والفداء، حتى ولو بروحه لأجل مرضاة الله وحكمه وقضائه، قال تعالى: "قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين* فلما أسلما .." الآية. فالشريعة الإسلامية تتميز في تعاملها مع المراهق وتنفرد بأنها تتدرج معه في النمو الانفعالي، بالحوار والاحترام والتقدير لآرائه العقلية واجتهاداته، لكنها تهذبها وتوجهها وتصححها، وفي النمو العقلي، تبسط له العقيدة وقضية البعث والنشور والحشر والجن والملائكة بسطًا موجزًا يدركه غير معقد، ليتهذب بالغيب ويثمر الخشية والخوف والمراقبة الذاتية، ولا تخلي بينه وبين الخيال العلمي الفوضوي عن الكون والحياة ولا تسلمه إليه. واختتم الشنقيطي قائلًا: الشريعة الإسلامية تتعامل مع الدوافع الفطرية والمكتسبة تعاملًا راقيًا لم تعرفه الفلسفات الأرضية ولا تلغيها ولا تهملها، تتعامل مع عواطف المراهق المتضاربة المتعارضة بطريقة متدرجة منطقية، حتى تثبت المحْكَمات والمسلّمات والقطعيات في نفس المراهق عن طريق التكرار والإيحاء والتقليد والعادة وتلبية الحاجات النفسية للمراهق. الدوافع الفطرية من جانبه يقول رئيس قسم التربية وعلم النفس في جامعة تبوك البروفسور عبد المنان ملا: المراهقة من المراحل العمرية التي يمر بها الإنسان في حياته وهي مرحلة عادية لابد أن يمر بها الإنسان وهذه هي حكمة الله في خلق، لكن الدراسات النفسية تسلط على هذه المرحلة لما يحدث فيها من تغيرات في نواحي نفسية وعضوية واجتماعية وفكرية وعقلية، فحينما ينتقل الإنسان من مرحل الطفولة المتأخرة إلى مرحلة المراهقة، تحدث تغيرات مثل التغير في الصوت والغدد الإفرازات الداخلية التي تزداد في بعض نواحي الجسم فيصبح في أطراف جسمه نمو أكثر، كما يحدث تغير في الشكل الخارجي للجسم سواءً لذكر أو للأنثى، فيبدأ المراهق في التفكير: هل سيكون له قبول بين الأصدقاء ووسط الأسرة؟ فيشعر بالخجل من بعض التصرفات. وهو بذالك يريد أن يتكيف مع أصدقائه ويريد أيضًا أن يتكيف مع المجتمع وبالتالي يقوم بتصرفات سلوكية لأجل هذا وتكون هذه التصرفات السلوكية غير مقبولة لا منه ولا من الآخرين وبالتالي يدخل في مصادمات مع الناس، فيشعر المراهق بضرورة الإصرار على رأيه وفرضه، وفي هذه الحالة إذا لم يكن الآباء والمعلمين والمجتمع على علم بهذه التطورات سيحدث نوع عدم التوافق، تعقبه المشكلات التي نشاهدها في المجتمع، فلا بد من قبول المراهق وعدم نبذه وانتقاده. تحديات المرحلة وأضاف ملا قائلًا: لا ينبغي أن يفهم ما سبق على أن أي مراهق لا بد أن يمر بمجموعة من المشكلات، ولكن المشكلات تظهر عندما تكون التنشئة الأسرية غير صحيحة وغير سوية، فعندما تكون التنشئة الأسرية في المرحلة التي تسبق مرحلة المراهقة تنشئة طبيعية وسليمة فإنها تساعد المراهق على تجنب العديد من المزالق والمخاطر التي يمكن أن يقع فيها. ومن المهم أن نذكر بأن مشكلات المراهق مع المجتمع لا تبدأ إلا إذا شعر المراهق برفض المجتمع له فإنه في هذه الحالة يسلك طريق العناد ومن المحتمل أن تصل المواجهة إلى استخدام العنف. حينها قد يلجأ المراهق إلى هجر أسرته ومجتمعه ليعيش مع من يقبلون فكره واتجاهه، وهنا تكمن الخطورة؛ لأن المراهق سيكون عرضة للاستغلال ممن يستخدمونه لأغراض تتعلق بالمخدرات والإرهاب والعنف والجريمة. تفريغ الطاقات وعلى ذات السياق يسير الأستاذ المشارك بقسم الاجتماع بجامعة الملك سعود الدكتور أحمد أنور قائلًا: من المؤكد أن فترة المراهقة فترة حرجة جدًا لأن هذه السن هي التي يكون فيها الإنسان في قمة نشاطه، وبعض المجتمعات تراعي هذه الفترة وتقدم لهؤلاء الشباب برامج ثقافية ورياضية حتى يتم تفريغ هذه الطاقة بشكل صحيح، فعندما يذهب أحد هؤلاء الشباب إلى أندية رياضية مثلًا تكون الطاقة التي بداخله قد ذهبت في الطريق الصحيح وذلك أفضل من أن يذهب الشاب إلى الجريمة أو الانحراف أو أي سلوك غير قويم. ومضى أنور قائلًا: بعض المجتمعات المتقدمة يكون لشبابها لقاءات وبرامج ثقافية في وسائل الإعلام ورحلات وثائقية، وغير ذلك مما يساعد الشباب على أن يتجهون إلى ما يفيدهم وينمي عقولهم، ومن الضروري أن يراعي القائمون على المراحل الثانوية والجامعية هذه الفترة ويجعلوا للشباب والشابات برامج تعليمية عن الثقافة الجنسية والصحية، بحيث يدرك الشاب أنه إذا اتجه إلى التدخين سيحدث له من المضار كذا وكذا، وإذا اتجه إلى العادة السرية سيحدث له كذا، فالمجتمعات المتحضرة تراعي هذه المرحلة لأنها بالنسبة للشباب والمجتمع مرحلة مهمة جدًا؛ لأنها أيضًا مرحلة تمرد فكري، فالتطرف يحدث في هذه المرحلة، والتوجه إلى الإرهاب يكون في هذه المرحلة أيضًا؛ لأن المجتمع لم يراع احتياجات هذا الشاب. المجتمعات المتخلفة تهمل الشباب المراهق، وتتركه وشأنه ولا تقدم له أي شيء، وتتركهم للانحراف والشذوذ. -- وشباب يكشفون عما بداخلهم ويصفون مشاعرهم حب المعرفة أوضح الشاب رامي إبراهيم أن مرحلة المراهقة من أجمل مراحل عمر الإنسان حيث يعيش فيها روح المغامرة التي يريدها ولذلك نرى في هذه السن أن الشخص تكثر مشاكله لأنه يريد أن يعرف كل شيء حوله وكأنه كان مقيداً وهو فعلاً كان مقيداً في مرحلة الطفولة التي تكون فيها الأنظار مصوبة عليه ثم تأتي فترة المراهقة لتغير هذا الوضع. دور كبير من جانبه يرى الشاب حسن محمد أن الشاب في هذه السن يكون قد اختلط بأصدقاء كثر وفي هذه المرحلة تلعب المدرسة دوراً مهماً جداً، حيث يخرج الطالب من مرحلة الطفولة والبراءة إلى مرحلة الرجولة والخشونة وحب الانفتاح وعدم التقيد.