إذا كان أول رئيس لجمهورية أرمينيا ليون بيتروسيان من مواليد حلب في العام 1945، فإن السفير الأرمني الحالي آرشاك بولاديان ولد في رأس العين على الحدود السورية - التركية في منتصف القرن الماضي، كما أن وزير الخارجية السابق فارطان اوسكانيان يتحدر من أصل سوري. لم يمض الرئيس بيتروسيان سوى سنة واحدة في حلب، لكن بمجرد حصول أرمينيا على الاستقلال في العام 1992، قرر زيارة دمشق لتكون أول زيارة خارجية له وليوقع اتفاقاً لإقامة علاقات ديبلوماسية تطورت بتقديم الأرمن مقراً فخماً ليصبح سفارة سورية في يريفان، في حين قدمت الحكومة السورية البناء السابق لوزارة المغتربين ليكون سفارة أرمينيا التي رفع العلم عليها الأسبوع الماضي. واتبع ذلك بأن عينت وزارة الخارجية بولاديان الذي كان رئيس إدارة العالم العربي فيها، سفيراً في دمشق، بعدما استفاد من السنوات التي امضاها في سورية ليفتح سفارات بلاده في عدد من الدول العربية. وكان الرئيس الراحل حافظ الأسد حرص على أن تكون أرمينيا بين دول الاتحاد السوفياتي السابق التي شملتها زيارته الرسمية في العام 1978. وبعد نحو ثلاثين سنة، يبدأ اليوم الرئيس بشار الأسد وعقيلته أسماء زيارة إلى يريفان تلبية لدعوة من الرئيس سيرج سيركسيان، لتكون أول زيارة إلى هذه المنطقة من جهة، ولتكون «أول زيارة لزعيم دولة عربية كبيرة إلى أرمينيا منذ استقلالها»، بحسب بولاديان. يدل ذلك على العلاقة الخاصة بين سورية وأرمينيا البالغ عدد سكانها نحو ثلاثة ملايين، ليس فقط على المستوى الرسمي، بل على الصعيد الشعبي أيضاً. وتعزز هذا بفضل وجود نحو 120 ألف سوري من أصل أرمني وثلاثة أضعاف هذا الرقم ممن يحملون الجنسية السورية ويعيشون في أميركا ودول أوروبية أخرى. وبين هؤلاء نحو 13 ألف طالب، كما ان الطرفين يتبادلان تقديم المنح الدراسية لطلاب البلدين في الدكتواره والماجستير، إذ تستقبل سورية سنوياً في معهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها في جامعة دمشق نحو 30 طالباً أرمينياً. ويبدو مدى اهتمام السوريين من أصل أرمني بزيارة الأسد، إذ أن أبرز الشخصيات السورية جاءت إلى يريفان للاحتفاء بالزيارة، إضافة إلى مشاركة نحو 50 رجل أعمال سوري في منتدى اقتصادي مشترك يفتتحه الرئيسان الأسد وسركسيان ويرمي إلى تطوير العلاقات الاقتصادية والإفادة من اتفاق حماية الاستثمارات واتفاقات أخرى ستوقع لمناسبة الزيارة. وكانت الحيرة واضحة في تصرفات السوريين من أصل أرمني، فهم يرحبون بأنفسهم في وطنهم الثاني ويسعون إلى توفير كل ظروف الراحة لضيوفهم في «بلدهم الثاني» أرمينيا باعتبار أن «سورية هي بلدنا الأول»، إضافة إلى عجز اللغة أحياناً عن إسعافهم للتعبير بكلمات عربية وعادات عربية.