عن دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة وضمن السلسلة المسرحية (النصوص) صدرت مسرحية «آنا كارينينا» وهي دراما في فصلين أعدتها الكاتبة المسرحية البريطانية هيلين إيدموندسن عن رواية الكاتب الروسي ليو نيكولايفيتش تولستوي، ترجمها وقدم لها السينمائي والمسرحي العراقي علي كامل. استطاعت الكاتبة إدموندسن بأناة وفطنة ودراية واسعة بفن الإعداد المسرحي أن توجز رواية ضخمة (850 صفحة) في نص مسرحي مختزل كتب بلغة بصرية ومشاهد شيّدت بأسلوب توليف سينمائي برؤية معاصرة ومعالجة هي مزيج بين الغنائية والتحليل النفسي. تقول المعدّة إدموندسن في المقدمة: «حين قرأت الرواية للمرة الأولى، شغلتني قصة «آنّا» تماماً. أما حضور ليفين، الشخص الحاد الطبع الغضوب، فكان مثيراً. فجأة وجدت نفسي أقلّب الصفحات بعجالة لأرى كم من الوقت عليّ أن أنتظر لحين أن تظهر آنّا. لقد دهشت حين بدأت أتحدث مع نانسي، مخرجة العمل، في شأن الرواية، حيث اكتشفت أن لديها استجابات معاكسة تماماً إلى حد ما، فقد كانت واقعة في شراك قصة ليفين في حبه لكيتي وبحثه الدائم عن مغزى للحياة. حين قرأت الرواية ثانية، بدأ ليفين يجتذب انتباهي هذه المرة، إلا ان السؤال الذي بدأ يشغل ذهني حقاً، هو، لماذا اختار تولستوي أن تكون هاتان القصتان معاً؟ وما هي العلاقة التي تربط بين آنّا وليفين؟ كنا نبحث عن أجوبة لهذا السؤال، وفوراً أدركنا ان عملية الإعداد ينبغي أن تتضمن كلتا الشخصيتين. بمعنى آخر،آنّا كارينينا من دون ليفين، هي مجرد قصة حب رائعة كئيبة وشجية. إذاً فهي قصة حب في شكل أساسي، لكن، لو تضمنت إلى جانبها قصة ليفين، فستصبح عندئذ شيئاً آخر عظيماً! في إعدادها لرواية جورج إليوت «طاحونة فوق نهر فلاس» شطرت هيلين الشخصية الرئيسة إلى ثلاث ذوات منفصلة، أما في «آنّا كارينينا» فقد قررت أن يكون ليفين وآنّا على خشبة المسرح طوال العرض وهما يتحدثان إلى بعضهما بعضاً، على رغم أنهما في «الرواية» لا يلتقيان سوى مرة واحدة قرب النهاية. المعضلة أن «قصة» ليفين و «شخصيته» لم تكونا مبنيتين بناءً درامياً في الرواية، لذا فقد تطلب من هيلين إعادة بنائهما من جديد. وهكذا تم لها مسك الخيطين معاً بإحكام بعد أن جرى تشذيب المونولوجات الطويلة واختزال الكثير من الشخصيات الثانوية وحذفها لتتبوأر الفكرة أخيراً في نقطة واحدة تلتحم فيها كلتا القصتين معاً. استخدمت أدموندسون تقنية ذكية ومبتكرة لسرد الأحداث والانتقال بسلاسة من مشهد إلى آخر، وذلك بأن جعلت من ليفين وآنّا، الشخصيتين الرئيستين، بمثابة معلقين متناوبين على ملاحقة الأحداث ومتابعة مساراتها، فما أن ينتهي حدث حتى يتبعه حدث آخر عبر وسيلة محكمة وهي أن يسأل أحدهما الآخر عن مكان وجوده: «أين أنت الآن؟».