المعلوماتي المتولِّد عن أزمة فشل «فايسبوك» في حماية بيانات عشرات ملايين الأفراد في موقعه، عن الأيدي المُغرِضَة لشركة «كامبريدج آناليتكا»، برز اسم معروف عالمياً في الدفاع عن الحقوق الإلكترونية للأفراد والجماعات. إنه الحقوقي النمسوي ماكس شريمز الذي أدت جهوده إلى نقض معاهدة كانت مستقرة منذ مطلع الألفية الثالثة، عن حماية البيانات الرقمية للجمهور الأوروبي، عند وصولها الى خوادم شركات المعلوماتية الكبرى في أميركا. (أنظر «الحياة» في 23 آذار 2018). وفي 2013، استند الناشط الحقوقي النمساوي ماكس شريمز إلى وثائق خبير المعلوماتيّة الأميركي المنشق إدوراد سنودن، في قضية رفعها ضد «وكالة الأمن القومي (الأميركي)» أمام محاكم إرلندا. واستند شريمز إلى «الشرعة الأوروبيّة لحقوق المواطن- 2009»، مشيراً إلى أن تلك الوثيقة القانونيّة تحمي البيانات الشخصية لمواطني أوروبا عبر منع نقل تلك البيانات إلى دول لها سجل ضعيف في حماية البيانات الشخصيّة. ولفت شريمز إلى أن وثائق سنودن تثبت أن «الوكالة...» تحصل بسهولة على البيانات الشخصيّة للأفراد من الدول كافة، بما في ذلك مواطني «الاتحاد الأوروبي»، من شركات المعلوماتيّة الأميركيّة التي تعمل على المستوى العالمي، ك «فايسبوك» و «غوغل» و «آبل» و «آمازون» و «تويتر» وغيرها. وطلب شريمز أن تعتبر الولاياتالمتحدة من الدول ذات السجل الضعيف في حماية أمن البيانات الشخصية للجمهور. وذكّر أيضاً بأن الشركات الأميركية تملك الحق في نقل بياناتها من القارة الأوروبية إلى مقراتها في «وادي السيليكون» الأميركي. وأشار إلى أن الشركات الأميركيّة تمارس ذلك الحق أوروبيّاً في ظل حماية «معاهدة الملاذ الآمن» Safe Harbor Treaty التي وقعها الطرفان الأوروبي والأميركي في العام 2000. ووافقت المحكمة العليا في إرلندا على موقف شريمز، ما شجّعه على رفع القضيّة عينها إلى «محكمة العدل الأوروبيّة» في بروكسيل. وفي 2015، أصدرت تلك المحكمة حكماً قضائيّاً لمصلحة حماية البيانات الشخصيّة للمواطنين الأوروبييّن، إذ قضى بإلغاء «معاهدة الملاذ الآمن» السارية بين «الاتحاد الأوروبي» والولاياتالمتحدة منذ العام 2000. وتتيح تلك المعاهدة لشركات المعلوماتيّة الأميركيّة نقل المعلومات والبيانات من أوروبا إلى أميركا بصورة فوريّة. وبديهي القول أن تلك الحرية في سريان المعلومات بين ضفتّي الأطلسي، تعتبر شرطاً حيويّاً لعمل شركات المعلوماتيّة الأميركيّة، إضافة إلى ما تحقّقه من مداخيل متّصلة بها. صراع لا ينتهي آنذاك، شكّل قرار محكمة بروكسيل صدمة كبرى لأميركا، بل أن بعضاً من مسؤوليها بدا غير مصدّق صدور ذلك الحكم الصارم. إذ علّق مايرون بريليانت، النائب التنفيذي ل «غرفة التجارة والاقتصاد» في أميركا، على القرار الأوروبي قائلاً: «إنه من المذهل أن تنقض معاهدة مهمة ومستقرة منذ عقد ونصف، من دون إعطاء مهلة ولا بيان عن الطريقة التي يفترض بالشركات الأميركيّة أن تتبعها كي تكون منسجمة مع القوانين الأوروبيّة». ورأت بيني بريتسكر، وزيرة التجارة في إدارة الرئيس باراك أوباما، أن القرار الأوروبي القضائي يهدّد الاقتصاد الرقمي على ضفتي الأطلسي، ويكلّف الشركات الأميركيّة بلايين الدولارات. ولأن القرار يعني أيضاً عدم قانونيّة نقل المعلومات من أوروبا إلى أميركا، رأى إريك شميدت، الرئيس التنفيذي لشركة «آلفابيت» Alphabet (كان اسمها «غوغل») أن القرار يمهد لوضع تستبقى فيه المعلومات الرقميّة داخل أوروبا فلا تنتقل عبر ال «ويب»، ما يهدّد أيضاً بنشوء «شبكة إنترنت كل دولة»، وفق تعبير شميدت الذي رأى في الأمر تفكيكاً للإنترنت وهدماً ل «أحد أبرز إنجازات الإنسانيّة»! وفي 2016، حلّت «معاهدة درع الخصوصيّة» Privacy Shield Treaty، بديلاً عن «معاهدة الملاذ الآمن» الملغاة. وتتعلّق المعاهدتان بحق شركات الإنترنت في نقل بيانات الانترنت كافة إلى أميركا، بداية من عمليات تفتيش الأفراد عن معلومات على محركات البحث، مروراً بكافة المعاملات المالية، ووصولاً إلى حجوزات الفنادق وتذاكر السفر وغيرها. وبعبارة اخرى، تتصل المعاهدتان بنقل حركة جمهور الإنترنت كلها، موثّقة ومفصّلة، من أوروبا إلى أميركا. ويكفي القول إنّ قيمة الخدمات الرقمية بين طرفي الأطلسي بقرابة ربع تريليون دولار، وهي لا تمثّل سوى جزء من تلك البيانات!