لم يخطئ أساتذة دار العلوم، وعلماء الأزهر الشريف، وأعضاء مجمع اللغة العربية في القاهرة، عندما وصفوه ب «الشافعي الصغير» تشبيهاً له بالإمام الشافعي صاحب المذهب المشهور، في سعة الأفق، ودقة النظر، وقوة الاستدلال، وفصاحة التعبير. عاش العلاّمة حسن الشافعي (1930م- ...)، داعيةً للتقريب، ونبذ الفرقة، وتوحيد الكلمة بين أهل المذاهب، والطوائف، والملل، والأعراق، واللغات، ضمن إطار الوحدة الثقافية الإسلامية الجامعة بين المسلمين (سنّةً وشيعةً) وبين أهل الكتاب، الذين انخرطوا في البلاد العربية والإسلامية منذ قديم الأزل، فكانوا إخوةً في المواطنة والإنسانية، لهم ما لنا، وعليهم ما علينا. ومن حسناته، أنه كان صاحب فكرة إحياء دروس أروقة الأزهر الشريف، على الطريقة القديمة، كما كان أعلام الأزهر الشريف يدرّسون لطلاّبهم قبل مجيء المدنية الحديثة، حتى أصبحت هذه الأروقة جامعةً مفتوحةً في رحاب الجامع الأزهر العريق، يرتادها اليوم المتخصّصون من مختلف فروع العلم الشرعي والفلسفي والاجتماعي، والعامّة، مجاناً، ويتم فيها شرح وقراءة أُمّهات كتب التراث الشرعي والعقلي واللغوي، وتُعطَى إجازات علمية في نهاية هذه الدروس من قبل علماء الأزهر. بل، إن الشافعي، الذي يشغل منصب رئيس مجمع اللغة العربية في القاهرة، ما زال يواظب على التدريس فيها «بانتظام يحسد عليه»، كما قال عنه المحقّق الأردني عصام محمد الشنطي. فعلى رغم مرضه وعلو سنه، وحاجته إلى الراحة، إلا أنه يقوم بتدريس مؤلفات التراث الإسلامي، بهمة الشباب وعزيمة الشيوخ، ك: معيار العلم لأبي حامد الغزالي في المنطق، والمواقف للإيجي في علم الكلام، وأبكار الأفكار للآمدي في المنطق، والشمائل المحمدية للترمذي، وحِكَم ابن عطاء الله السكندري بشرح ابن عجيبة الفاسي الحسني. ولا ننسى، أنه واضع برنامج تحديث وتطوير مناهج الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد عندما رأسها، حيث نقل لها النظم والمقررات الأزهرية، المنفتحة على أغلب التيارات، والفرق، والمذاهب الكلامية، والفقهية، والفلسفية في التراث الإسلامي، بلا تعصب، مع إدخال الفكر الغربي ومدارسه ومناهجه، حتى أصبح الباكستانيون على اختلاف مذاهبهم، ومشاربهم، وطوائفهم، يدرسون فيها، بفضل وسطية الأزهر، واعتداله، وعالميته، كما يقول في كتابه « قول في التجديد» الصادر العام الماضي عن مجلس حكماء المسلمين في أبوظبي. من مؤلفاته وبحوثه القيمة: التيار المشّائي في الفلسفة الإسلامية، والمدخل إلى دراسة علم الكلام، وفصول في التصوف، وسيف الدين الآمدي وآراؤه الكلامية، وهو أطروحته للدكتوراه في جامعة لندن، وفي الفلسفة منهج وتاريخ بالاشتراك، ولمحات من الفكر الكلامي، وفي فكرنا الحديث والمعاصر، وتحقيقه لكتاب «المبين في معاني ألفاظ الحكماء والمتكلمين» لسيف الدين الآمدي مع مقدمة ضافية عن المصطلح العلمي والكلامي بخاصةٍ في التراث الإسلامي، وتحقيقه كتاب «تجريد الاعتقاد» لنصير الدين الطوسي، وتحقيقه كتاب «غاية المرام في علم الكلام» للآمدي، وتحقيقه كتاب»أساس الاقتباس في المنطق» في خمسة أجزاء، وتحقيقه كتاب «عطف الألف المألوف على اللام المعطوف» للديلمي بالاشتراك. وله بحث بالإنكليزية عن «مبادئ علم أصول الفقه وكيف يفيد الاقتصاديون المسلمون منه»، كما ترجم كتاب «تاريخ التشريع الإسلامي» لكولسون عن الإنكليزية بالاشتراك، وله بحوث أخرى ألقاها في المحافل العلمية الشرعية واللغوية والفلسفية. كما صدرت سيرته الذاتية العام الماضي بعنوان «حياتي في حكاياتي» في بيروت، وهو الآن بصدد طرح الجزء الثاني منها، وله ديوان شعر صدر العام الماضي بعنوان «في الثمانين بدأتُ شعري». وهو عاكف منذ مدة على تفسير كتاب الله من الوجهة الاعتقادية الكلامية، وانتهى من ثلث القرآن حتى الآن، وله كتاب جديد بعنوان «مقدمة تأسيسية لعلم القواعد الاعتقادية في القرآن والسنة»، وله كتاب «حكم من عطاء الله»، على غرار حكم ابن عطاء الله، وكتاب «مقال في المنهج» رداً على ديكارت. وله بحوث فلسفية، وبحوث لغوية في مجلة مجمع الخالدين. وله عناية خاصة بفلسفة صدر الدين الشيرازي. وله مناظرات، ومواقف مع أقطاب التيار الليبرالي في مصر، وتجمعه في الوقت نفسه، صداقة ومودة مع غالبيتهم، برغم الاختلاف الفكري، ومنهم وديع فلسطين (95 عاماً)، الذي رشحه لعضوية مجمع (الخالدين)، ولمّا سئل عن ذلك، أجاب قائلاً: «إنه حجّة في الأدب واللغة والترجمة والصحافة». حكى أحد تلاميذه، أن مجلس قسم الفلسفة الإسلامية في كلية دار العلوم في جامعة القاهرة وافق على أطروحته للدكتوراه، بإشراف حسن الشافعي، فما كان منه إلا أن أحضر لهذا الطالب أول مرجعٍ في أطروحته هدية له، كي يساعده في إنجاز البحث، وكثيراً، ما رأيت الباحثين المصريين والعرب، والهنود، والأتراك، والأفريقيين، والشوام، والمغاربة، والماليزيين، والباكستانيين، والبنغاليين، من كل فروع العلم الشرعي والفلسفي، يؤمّون مجلسه العلمي في رواق المغاربة في الأزهر الشريف صبيحة كل يوم سبت حتى صلاة الظهر، طلباً لنصيحته، واستشارته في اختيار فكرة ما، تصلح بحثاً لهم في أطروحاتهم للماجستير والدكتوراه. بل، إنه أثناء دروسه المجانية في أروقة الأزهر الشريف، إذا ما تعرّض لفكرةٍ ما، قال بعقل قلبه، ولبّ بصيرته: «أين الباحثون الجادّون؟ هذه فكرة بحثٍ جديدةٍ، تنادي صاحبها، فمن يسجِّل فيها؟». وهو في دروسه، ومحاضراته، ومجالسه، ينطلق كالبحر في غزارة علمه، وحضور بديهته، فإذا ما عرضت له مسألة صوفية فصّصها بحكمته، وإذا ما جاء السياق على ذكر مسألةٍ فلسفيةٍ، أوضحها ببراهينه اللامعة، وبروعة مقدماته وصحّة نتائجه، وإذا ما أتى النص على مسألةٍ فقهيةٍ، جلاّها نصاً واستدلالاً، وإذا ما كان الحديث عن مسألةٍ لغويةٍ، بيّنها نحواً وصرفاً، وبياناً، وأسلوباً، وكشف خبيئها، وكل ما قيل عنها شعراً ونثراً!