اقتنعت ردينة (23 سنة) أخيراً بأن زيارة تركيا قبل عيد الفطر المقبل باتت مستحيلة. «تأخّرتِ كثيراً»، قالت لها الموظفة في مكتب وكالة السياحة والسفر التي أكدت أن الحجوزات الى إسطنبول «أقفلت قبل اسبوعين». حاولت ردينة جاهدة إيجاد البديل في تلك اللحظة، لكن الخيارات المتاحة أمامها وأصدقاءها هذا الصيف «قليلة»، فكان الأنسب بينها «التعرّف الى مواقع سياحية داخلية، لكون لبنان البلد الأكثر أماناً نسبياً بين دول المحيط». ويبدو أن الثورات التي عصفت في البلدان العربية هذا العام، حصرت وجهة الشباب اللبنانيين بتركيا، وتحديداً إسطنبول «التي يقصدها السائحون بالطائرة». وتشرح ردينة أن مدينتي أنطاكيا ومرسين مثلاً، «تترتب على زيارتهما أخطار كثيرة، كون الرحلة اليهما، تمرّ عبر الطريق البري، وتستوجب المرور في مدن سورية شهدت احتجاجات الأسبوع الماضي»، وتؤكد أن «لا داعي لتلك المخاطرة». أما القاهرة وشرم الشيخ التي اعتاد اللبنانيون ايضاً زيارتهما خلال الصيف، «فلا يشجع انطباع العائدين منهما على الزيارة». ويعرب يوسف (33 سنة) الذي عاد قبل أيام قليلة من القاهرة عن استغرابه من أن «المصريين ليسوا على طبيعتهم الطريفة». التمس وجوماً في العاصمة الأكثر اكتظاظاً، «وكان من الصعب أن تجد شخصاً مبتسماً في شوارعها، خلافاً لما كنت قد شاهدته في السابق». ويضيف: «نادراً ما يطالعك مصري صديق بنكتة. لا أعلم ماذا تغيّر بين العام الماضي وهذا العام». هذا الانطباع، ومثيله من تونس التي شهدت ثورة أيضاً، دفعت كثيرين الى اختيار تركيا كمقصد صيفي. لكن «التخمة» في عدد قاصديها اللبنانيين والعرب، ساهم في تشجيع السياحة الداخلية في لبنان. «ربّ ضارّة نافعة». استنتاج توصلت اليه إليان (22 سنة) التي رأت في التوتّر العربي «فرصة لزيارة مناطق لبنانية لم نعرفها من قبل». وضعت مخططاً لتنظيم رحلات اسبوعية برفقة أصدقائها الى مناطق لبنانية كثيرة، تبدأ من «الاقامة يومين على شاطئ البحر في منطقة شكا، يليها يومان في البقاع الغربي، حيث سنزور بحيرة القرعون ونبيت في أحد النوادي السياحية في منطقة خربة قنافار». الاجازة، وفق إليان، «يمكن تقسيمها الى جولات أسبوعية، ما يتيح لنا زيارة سائر المناطق اللبنانية». واذا كان الشائع زيارة بعض المواقع السياحية المعروفة، فإن بعض شباب لبنان قرر الخروج على هذه العادة. فقد وضع نزار (19 سنة) ومجموعة من أصدقائه مخططاً لزيارة محمية طبيعية في أعالي جرود عكار، والمبيت في مخيم خاص في الطبيعة، إضافة الى زيارة «مغارة أفقا التي درسنا عنها في أسطورة أدونيس وعشتروت ولم نتعرف اليها من قبل». والواضح أن مزاج اللبنانيين تجاه الاجازات هذا الصيف، تبدّل بفعل التحركات الشعبية العربية، ما جعل العودة الى البلد الأم ضرورة – لا استثناء. ويستدل على ذلك بالحملات الالكترونية المستجدة لتشجيع السياحة الداخلية في لبنان، وتعريف اللبناني، قبل الزائر، الى مواقع سياحية في بلده، لا يعرفها. ونشطت صفحات على موقع «فايسبوك» تعرف اللبناني الى مواقع سياحية لم يسمع بها من قبل، مثل غابة إهدن، والرياضة المائية في نهر العاصي، وزيارة وادي قنوبين، والتمتع بجمالية نبع مرشد في الشوف. الأكيد أن العودة الى السياحة الداخلية، لم تأتِ الا نتيجة انحسار الخيارات أمام شباب اعتادوا استثمار تسهيلات السفر الى الدول المجاورة... لكن لبنان «بلد يستحقّ التجوال فيه»، كما تقول إليان، مشددة على أن «من المعيب أن يعرف الأجنبي عن بلدنا أكثر مما نعرف». وما كانت هذه المبادرة لتتحقق لولا «صدمة» الثورات العربية.