قفزت قضية التمويل الليبي غير الشرعي للحملة الانتخابية للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي إلى الواجهة أمس، إذ أوقفه الجهاز المركزي لمكافحة الفساد على ذمة التحقيق. وتأتي هذه الخطوة بعد 5 سنوات على تحقيقات بدأت عام 2013 في شأن تلقي ساركوزي 50 مليون يورو من الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، لتمويل حملته الانتخابية التي أوصلته إلى الرئاسة. كما أُحيل بصفة شاهد على التحقيق، وزير الداخلية السابق باريس أورتوفو، وهو من أوثق المقربين إلى ساركوزي. ونفى الرئيس السابق مراراً تلقيه تمويلاً ليبياً، كان كشفه موقع «ميديابارت» الإلكتروني عام 2012. لكن شهادات، أبرزها لرجل الأعمال اللبناني- الفرنسي زياد تقي الدين، دعمت الشكوك في شأن هذا التمويل وبرّرت فتح تحقيق قضائي في شأنه. وأكد تقي الدين أنه نقل من ليبيا 5 ملايين يورو، سلّمها بين عامَي 2006 و2007 إلى المدير السابق لمكتب ساركوزي، ثم إلى وزير الداخلية كلود غيان. ورفض تيري هيرتزوغ، محامي ساركوزي، عام 2016 مزاعم تقي الدين وقدّم للشرطة نسخة من شهادة للأخير عام 2012، قال فيها إنه لم يرَ ساركوزي منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2003. كما أكد المدير السابق لأجهزة الاستخبارات العسكرية الليبية عبدالله السنوسي مساهمة القذافي في تمويل حملة ساركوزي، أمام مدعي عام المجلس الوطني الانتقالي الليبي. ثم عُثر على مدوّنة عائدة لوزير النفط الليبي شكري غانم، الذي وُجد مقتولاً في ظروف غامضة، تشير إلى مبالغ تُقدر بنحو 6.5 مليون يورو حصل عليها ساكوزي في إطار حملته. ويبدو أن لدى المحققين شهادات وأدلة جديدة مكّنتهم من توقيف ساركوزي على ذمة التحقيق، لمعرفة هل كان يعلم بهذا التمويل غير الشرعي لحملته. ويمكّن القانون الفرنسي المحققين من الإبقاء على ساركوزي موقوفاً 48 ساعة، قبل اتخاذ قرار في شأن إحالته على المحاكمة، أو عدمه. وهذا الملف واحد من قضايا كثيرة واكبت عهد ساركوزي واستمرت في التفاعل، بعد انتهائه عام 2012. وكان محققون استجوبوه بتهمة تلقي رشاوى من سيدة الأعمال الفرنسية الراحلة ليليان بيتانكور، مالكة مجموعة «لوريال» العملاقة، والتي بُرئ منها. ويأتي توقيف ساركوزي بعد انسحابه نظرياً من الحياة العامة وعودته إلى ممارسة مهنة المحاماة، على رغم أن حضوره ما زال واضحاً في كواليس أسرته السياسية اليمينية، التي اعتبرت أنه يتعرّض لاستهداف وتحامل من وسائل الإعلام والقضاء. معلوم أن بريطانيا كانت اعتقلت رجل الأعمال الفرنسي- الجزائري ألكسندر الجوهري، الذي ورد اسمه في هذا الملف، في إطار «اتفاق مبدئي» صادر عن أجهزة الاستخبارات الليبية، كشف عنه موقع «ميديابارت» ويقضي بتزويد ساركوزي 50 مليون يورو مساهمةً في تمويل حملته الانتخابية. واتهم محامي الجوهري آنذاك السلطات الفرنسية بتسييس القضية والتلاعب لاستغلالها ضد موكله. وبعد شهور على توليه الحكم عام 2007، تعرض ساركوزي لانتقادات، لاستضافته القذافي في زيارة دولة نَصب فيها الزعيم الليبي خيمته البدوية المميزة قبالة قصر الإليزيه. وأتت أول زيارة للقذافي إلى دولة غربية منذ عشرات السنين، والتي شهدت توقيع عقود أعمال، بعدما ساعد ساركوزي على إطلاق 5 ممرضين بلغاريين مُتهمين بإصابة أطفال بفيروس نقص المناعة المكتسب (إيدز)، من سجن في ليبيا. لكن ساركوزي أيّد حملة عسكرية قادها الحلف الأطلسي، وأسفرت عن إطاحة القذافي وقتله عام 2011.