لم يمض وقت طويل على إقرار مجلس الشورى توصية باعتماد الرياضة البدنية في مدارس البنات المحظورة سابقاً في السعودية، حتى أعلن وزير التربية والتعليم الأمير خالد الفيصل تفاصيل خطته لتطوير التعليم العام، كان أبرزها الاتكاء على تحسين بيئة المدارس الداخلية، بما يعني أنها ستكون أكثر ملاءمة للنشاط الرياضي في ما يتعلق بالبنات. وأكد عضو اللجنة التعليمية في مجلس الشورى الدكتور محمد الخنيزي ل «الحياة» أن المبالغ الضخمة التي خُصصت من خادم الحرمين الشريفين لتطوير التعليم العام، «ستكون معينة على تطبيق توصية مجلس الشورى في شأن دراسة إمكان تطبيق التربية البدنية في مدارس البنات»، معتبراً أنه بين الشكوك التي واجهت الفكرة بداية الأمر، كانت متعلقة بالإمكانات والتجهيزات الضرورية. وذكر أن كثيراً من المهتمين بمسألة رياضة البنات، سواء أكانوا مؤيدين أم رافضين، «فهموا توصية مجلس الشورى خطأً، فالتوصية كانت إذناً للتربية والتعليم بدرس إمكان التطبيق بعد إحصاءات عن شيوع السمنة وهشاشة العظام بين الطالبات، ومن ثم تعود تلك الدراسة إلى المجلس لنقاشها مرة أخرى مع ذوي العلاقة وأصحاب الرأي في المجلس، ومن الفقهاء، قبل اعتمادها بشكل نهائي». وكان إقرار مجلس الشورى أخيراً، لرياضة الطالبات في السعودية مبدئياً، أعاد إلى شرائح من التيار المحافظ، «مواجع عقود» خلت، كانت فيها المرأة محور صراع وجدل بينهم من جهة، وبين أطياف وطنية وحكومية، وأخرى يسمونها «علمانية» وتارة «تغريبية» أو «ليبرالية» من جهة أخرى. وبدا ذلك واضحاً في بيان حشد فيه نحو 74 شيخاً وطالب علم جوانب قالوا إنها دفعتهم إلى رفض القرار الجديد، والمطالبة بنقضه. ومع أن أكثرية العشرات الموقعين على البيان ليسوا من الشخصيات المتداولة على الساحة الدعوية والفقهية السعودية، إلا أن مضمون البيان ومصطلحاته لا تختلف كثيراً عمّا يتردد في العقود الماضية، إذ جاء حاملاً لمفردات مثل «الغيرة، والاختلاط، السفور والتبرج، والتعري المشين، والتغريب، والدمج، والابتعاث»، غير أن البيان الجديد كان أقل حدية من آخرين، إذ أشار إلى أنه وإن استنكر خطوة مجلس الشورى، إلا أنه «لا يعمم إساءة الظن بكل من كانت له نظرة مخالفة، بل نجزم أنه ربما يرى النظرة المخالفة أناس صالحون، قادهم اجتهادهم إلى تصورات معينة». لكن عقلانية البيان في هذه الجزئية قابلها استدعاء قليل من نوعه، أبدى فيه المحتجون تفهماً حذراً للرعيل الأول من الممانعين لتعليم البنات، معتبرين ما يصفونه ب«التجاوزات التي يشهدها التعليم، وتعليم البنات على وجه الخصوص، تشهد بصدق التخوفات التي أبداها الناصحون لما أريد ترسيم تعليم البنات قبل أكثر من نصف قرن (...) وها هي الأيام وللأسف تثبت صدق تخوفاتهم». ولم تكن الإشارة فقط في البيان إلى جيل المعارضة الأول، بل مرّوا على عهد «الدمج»، وتغيير المناهج، وتدريس المرأة صفوف البنين الأولى، إلى جانب مشاركة السعوديات في الوفود الدولية، ناهيك عن الابتعاث الذي غدا حدث المرحلة الراهنة. البيان الموقع، وإن كان أراد برصده إثبات أن مخططاً يجري لإفساد المرأة عبر التعليم بتدرج، إلا أنه بتعاطفه مع «غلطة العمر» – كما يسميها البعض - في الاحتجاج على تعليم البنات باكراً، يفقده تأييد حتى بعض المختلفين مع قرار الشورى، من زوايا أخرى. وإذا كان المحترفون في مواجهة التيار الليبرالي، يحاولون تعزيز صدقيتهم بالتقرب من نقاط تمس ضمير المجتمع في بياناتهم، فإن موقعي البيان الجديد، ربما يكون خطابهم أقل ذكاء، بوصفه جعل «خطوة الشورى» في سياق «إقرار تعليم البنات» الأول، وهو القرار الذي يفاخر السعوديون بكل تياراتهم بأنهم تمكنوا من اتخاذه في وقت باكر من نشأة الدولة السعودية الحالية، ولم يستجيبوا لداعي المنع. حتى إن كاتباً هو والدكتور عبدالله الوشمي، عندما وثّق عام 2009 في كتابه: «فتنة القول بتعليم البنات»، تاريخ قرار الملك سعود بفتح مدارس للبنات 1960، وقيام شريحة من المعارضين بالاحتجاج على هذا القرار، وجد الكتاب ترحيباً واسعاً، وإسقاطاً مختلفاً على قضايا مماثلة يجري فيها النقاش محلياً. كما اُتهم من بعض أطراف محافظة بأنه بالغ في تصوير المعارضة، وأن أصواتاً أخرى فقهية كانت تساند القرار الملكي آنذاك، وهي أطراف أكثر مكانة وعلماً. وبالعودة إلى ما وثّق الوشمي، يلاحظ المقارن أن احتجاجات الماضي لا تخرج عن نظيرتها اليوم، إلا في بعض المصطلحات التي تجددت، فحتى الأوائل كان اتهامهم أن المدارس «ظاهرها الرحمة وباطنها البلاء ونهايتها السفور والفجور(...) هم يحاولون إخراج البنات من أكنانهن ليكشفوا حجابهن وليتمكنوا من التمتع بهن»..إلى آخره. أما إذا تم تجاوز بيان الدعاة ال74 إلى اعتراض شريحة من التيار المحافظ على قرار مجلس الشورى، فإن الاختصاصيين في توجهات تلك الشريحة يعتقدون أن معظم الإسلاميين يدركون أن وعي المجتمع يتجاوز رفض قرار كهذا، غير أنهم يرون بتّ الشورى في قضية كانت الفتاوى طرفاً فيها، من دون فتوى تنقضها من جهة الفتوى، سابقة ربما تمنح المجلس في نسخته الجديدة فرصة لتمرير قرارات أبعد من «رياضة الطالبات». وبعد تراجع النقاش المثير حول قضايا مثل «الاختلاط» و«رياضة البنات»، يكون السعوديون إلى حد ما حسموا أعقد المعارك التي كانت المرأة طرفاً فيها، باستثناء «أم المعارك» قيادة المرأة السيارة. غير أن إعلان التفاصيل الجديدة عن خطة وطنية لتطوير التعليم العام يتوقع أن تشعل بعض تفاصيلها هي الأخرى جدلاً يعيد الدفء للمناهج والعملية التربوية مجدداً.