جدد نقاد ومفكرون عرب أخيراً نقاشاً قديماً حول «الخطاب الديني.. إشكالاته وتحديات التجديد»، انقسموا فيه إلى موالاة ومعارضة، فطائفة تدين «التراث» وأخرى تحاول الدفاع عنه، أو ترشيد نقده على الأقل، فيما برز بين الفريقين اتجاه ثالث، حاول إسقاط إشكالات «التراث» على الحاضر. ونادى بالفصل بين المقدس الثابت، والمتحول المتغير من النصوص، وكذا أصول الاجتهاد والفقه التي وضعها الأقدمون، إذ تؤمن هذه الفئة بالتجديد ولكن بأدوات التراث نفسه. جاء ذلك في سياق مؤتمر نظمته مؤسسة «مؤمنون بلا حدود» بحضور نحو 500 شخصية فكرية من مختلف الأوساط الفكرية والأقطار العربية، في مراكش أخيراً. وكان لافتاً ما أكدته الباحثة المصرية الاختصاصية في الفكر الصوفي هالة فؤاد، التي رأت أن الكيفية المثلى التي يمكن أن نحمي بها تراثنا هي أن نعرضه للهدم، لأجل بنائه من جديد، وأن نعيد النظر في التراث العربي الإسلامي، وبخاصة التصوف، ولا ننظر إليه نظرة قداسة، أو نطرحه كبديل حالي في مقابل التيارات الإسلامية المتشددة، أو المؤسسات الرسمية. ودعت هالة فؤاد في مداخلة لها بعنوان: «رؤية العالم في الخطاب الصوفي ما بين التراثي والمعاصر» إلى إعادة طرح الأسئلة، والتفكير بصوت عال في التصوف العربي الإسلامي، من دون التفكير في أي حل، لأن التكور التاريخي الحتمي سيفرز حلوله بكل تأكيد. وأول سؤال انطلقت منه هالة فؤاد هو أزمة الدراسات المعاصرة حول التصوف، التي تتناول الموضوع بكثير من الحيطة والقداسة، كما لو أن الموضوع منطقة اتهام، داعية إلى ضرورة استنباط رؤية للعالم حول هذا المجال التصوفي ورجالاته، وإعادة النظر في الكثير من الخطابات القديمة، التي تعود إلى القرن الرابع للهجرة، وما يعاد إنتاجها إلى الآن بالطريقة نفسها. وتساءلت هالة فؤاد أيضاً عن الرؤية التاريخية عند الصوفية، هل هي رؤية يمكن أن تعيدنا إلى رؤية العالم أم أنها نظرة أصولية بجدارة؟ وما المفهوم الذي طرحه المتصوفة في العلاقة بالسلف الصالح؟ وهل هناك تناقض بين العقلانيين والمتصوفة في ما يخص العقل؟ وعن أي عقل يتحدث المتصوفة؟ وأشارت هالة فؤاد إلى أن «المتصوفة طرحوا مفهوماً آخر للعقل، غير العقل الأرسطي، أكثر انفتاحاً وأقل سلطوية»، وهو المفهوم الذي لا يوجد له أثر في الطرق الصوفية، على الأقل في بلدها مصر كما قالت، لأن الطرق الصوفية فيه هي إعادة مشوهة للتصوف، استبدل فيه العقل بالخرافة. ومن جهته، تساءل رئيس رابطة تونس للثقافة والتعدد المفكر التونسي أحميدة النيفر، عن إمكان الضبط الزمني والإشكالي لظهور الخطاب التجديدي في الفكر العربي الإسلامي، مشيراً إلى أنه المدخل الأساسي لفهم هذا الفكر والخطاب، وتتبع مساره وتحولاته في الفكر العربي الإسلامي. واختار النيفر في مداخلة له بعنوان: «من التقليدين التحديثي والتراثي إلى خطاب التجديد الإسلامي»، الانطلاق من مقولة لياسين حافظ، التي يتحدث فيها عن الجذور الماركسية، موضحاً أنه لا يمكن الحديث عن تجديد الخطاب الديني إذا لم يتم ربطه بمسألة التصور للتراث، كما أن التجديد الإسلامي برأيه ليس مناقضاً للتحديث. وأشار النيفر إلى أن العالم العربي الإسلامي عرف التجديد عبر ثلاث مراحل، أثر فيها الاتجاه التراثي والماركسي والإصلاحي، وأبرزت أسماء ومحطات توقف عند اسمين منها هما أمين الخولي، ومحمد إقبال الذي رأى فيه أول لبنة من الجيل الثاني من التجديديين، الذي طرح هذا المفهوم من داخل الثقافة العربية الإسلامية. وأوضح النيفر أن الجيل الثالث هو الذي سيتبنى فكرة وحدة التاريخ ورؤية العالم، التي رأى فيها اختباراً للتجديد في الوقت الراهن، مشيراً إلى أن التجديد للأسف ظل منحسراً في رؤية الذات المسلمة، وعاجزاً عن تجاوز المرجعية التقليدية. وخلص النيفر إلى أن «تجديد الخطاب الديني هو إعادة اكتشاف الذات وفق الشروط المعرفية الجديدة، وتحول في البنية الفكرية والثقافية للمجتمعات العربية الإسلامية، إنه نهاية اغتراب الإنسان في العالم العربي الإسلامي». أما الباحث التونسي حافظ قويعة، فأشار في مداخلة له بعنوان: «مشاريع التجديد الديني في الثقافة العربية المعاصرة: نحو قراءة متفهمة»، إلى العديد من الشواهد المستمدة من المفكر المغربي عبدالله العروي، والتونسي هشام جعيط، والراحل محمد أركون، وبعض الباحثين والمفكرين الغربيين والعرب، وعلى رأسهم محمد عبده، ودعا إلى قراءتها من جديد، لأن بها الكثير من المفاتيح لفهم ما يجري اليوم في العالم العربي المعاصر. وذكر أن الأزمة التي نعرفها اليوم أعقد بكثير من تلك التي كانت في القرن ال19، على رغم بعض المنجزات التحديثية.