منذ نجاح ثورة الشباب في مصر، وجميع الأنظار تتجه إلى القاهرة لمعرفة ما ستؤول إليه الأمور في مصر، من حيث إدارة الدولة والانتخابات، وكيفية شكل هذه الدولة، وأي نظام ستتبعه، ولذلك رأينا أن الأشقاء في مصر بدؤوا بتعديل بعض مواد الدستور التي لها علاقة بالانتخابات، سواء الرئاسية منها أو التشريعية، بحيث ينص التعديل على أن مدة الرئاسة أربع سنوات بدل ستة، قابلة لإعادة الانتخاب لمرة واحدة أخرى تالية للفترة السابقة، وكذلك منح المستقلين حق الترشح للمنصب، حسب الشروط التي نصت عليها المواد المعدلة في الدستور، كما أن التعديل يجيز لكل حزب سياسي له تمثيل في البرلمان ترشيح أحد أعضائه للرئاسة، بصرف النظر عن موقعه داخل الحزب، مما يكشف لنا أن الجدلية القائمة بين النخب المصرية حول توقيت صياغة وتعديل الدستور قبل أو بعد الانتخابات، تضفي أهمية وفائدة كبيرة على مجريات الأحداث السياسية في مصر، وتبين للجميع الجدية في الانعتاق من إرث النظام السابق، ومحاولة بناء مجتمع ديمقراطي حضاري حديث. التعديل في بعض مواد الدستور المصري بعد الثورة، يؤكد أن الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مصر ستكون محمية بالدستور إذا أحسن التطبيق، وأن البداية في تعديل الدستور من تحديد المدة، وإعطاء فرصة للمستقلين للترشح هي بداية جيدة، ولذلك سيتجه الجميع في مصر إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية في الوقت الذي حدده المجلس العسكري، والتي يفترض أن تكون التشريعية في سبتمبر 2011، وبعدها الرئاسية والتي لم يتحدد موعدها وهو أيضاً يفترض في سبتمبر 2011، والتي تنتهي فيها فترة الرئيس السابق حسني مبارك، لكن الانتخابات الرئاسية لا زال موعد إجرائها غير محسوم. من الطبيعي أن شكل النظام السياسي الذي سيحكم مصر ما زال محل جدل بين مختلف الأطراف السياسية، سواء كانت أحزاب أو جمعيات أو تجمعات أو حتى أفراد، فالبعض يقترح أن يكون النظام برلماني، أي الانتخابات البرلمانية هي التي تحدد الحكومة، فمن يفوز بالأغلبية يشكل الحكومة، وتكون المسئوليات في يد رئيس الوزراء من الكتلة الفائزة، بينما البعض الآخر يقترح النظام الرئاسي كشكل من أشكال الحكم، فالانتخابات الرئاسية المباشرة، والرئيس الفائز بالاقتراع المباشر والسري من قبل الشعب هو من يحكم، مع مراقبة البرلمان لأداء الحكومة، ولذلك لا زال شكل الحكم الذي سيحكم مصر مثار جدال، ولكن الانتخابات الحرة والنزيهة وتغيير الدستور هو المتفق عليه الآن، على أن تأتي باقي هذه الأشياء لا حقاً، علماً أن الإطار العام الذي ستكون عليه مصر بعد الثورة هو أن تكون هناك ثلاث سلطات: تنفيذية وهي الحكومة، وتشريعية وهو البرلمان والقضائية، وجميعها مستقلة حسب الدستور الذي سيصوت عليه في استفتاء عام سابقاً، وكذلك سيصوت على تعديلات أخرى عليه في المستقبل حسب ما تقتضيه الحاجة. لا نريد للثورة المصرية أن تفقد بريقها، ثم لا تلبث أن تعود إلى نمط عمل من سبقوها، بل نريد أن يكون لدى القائمين عليها والمتعاونين معها، وهنا أخص المجلس العسكري والحكومة المؤقتة، رؤية واضحة في تصحيح الأوضاع في مصر سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، داخلية أو خارجية، وأن تبتعد عن ردود الأفعال في رسم المستقبل السياسي والاقتصادي والاجتماعي لمصر وشعبها، حيث ينعكس استقرارها على أدائها السياسي، ويعزز الاستقرار العربي والطمأنينة لدى الشعوب العربية. من يعتقد أن الأوضاع في مصر ستسير بشكل مثالي، فهو مخطئ، سيكون هناك طريق طويل من التحديات ستواجه الأشقاء في مصر، سواء سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وكذلك تدخلات خارجية من أطراف لا تريد لمصر أن تنجح كنموذج ديمقراطي في المنطقة، إضافة إلى التحديات الداخلية من المصريين، والذين يريد بعضهم النتائج بسرعة، دون النظر إلى الواقعية السياسية والاقتصادية للوضع العام فيها، مما يخلق نوع من عدم الثقة لدى العديد من القائمين على رسم خارطة سياسة لمصر تساعدها على اجتياز العديد من المصاعب التي تواجهها في مرحلة الثورة والعبور بها بأمان إلى مرحلة الدولة. إن الاستقرار والأمن والرخاء هو ما نريد لمصر، وأن تكون أنموذجاً في المنطقة في التعددية والديمقراطية، وتقود العرب في المسرح الدولي، وتعيد اللحمة والتضامن للوطن العربي وشعوبه، حيث إن دور مصر حيوي في المنطقة، على المستويات كافة، ولذلك نرى أن الدول الغربية تحاول خطب ودها، لمعرفتها بمدى أهميتها على المسرح الدولي، وفي الشرق الأوسط، الموسوم دائماً بالصراع العربي الإسرائيلي، ولذلك أجمع الخبراء والمحللين منذ اندلاع هذا الصراع على مقولة أنه «لا حرب بدون مصر ولا سلام بدون سورية»، وهو ما تحقق خلال حرب أكتوبر عام 1973م، حيث ظهر أهمية التعاون والتنسيق بين الدولتين، إضافة إلى المملكة العربية السعودية، وشكلت هذه الدول مثلث ضامن لاستقرار الدول العربية وشعوبها. دعم الدول العربية لمصر سياسياً واقتصادياً مهم في هذه المرحلة بالذات، ولذلك كانت المملكة العربية السعودية سباقة في هذا المجال، من خلال تقديمها أربعة بلايين دولار كمساعدات لها، تساعدها على عدم الارتهان للدول الغربية، التي تحاول أن تمنحها قروض سواء مباشرة أو عبر صندوق النقد الدولي، ومن ثم تبدأ بفرض شروطها السياسية عليها، مما يحتم على الدول الخليجية الأخرى حذو المملكة العربية السعودية في تقديم المساعدات الاقتصادية والسياسية لمصر وشعبها ودون شروط. المشوار أمام مصر الشقيقة طويل، كما أن لدى كل مواطن عربي ثقة بأصالة وعراقة وتاريخ مصر، وتجاوزها لكل الصعاب، فالجميع يحترم مصر وشعبها ودورها في الوطن العربي، ومواقفها من كل القضايا العربية، فعلينا أن لا نختزل مصر وتاريخها بأشخاص، فهي عمق حضاري ومخزون ثقافي وصمام أمان للمنطقة. * أكاديمي سعودي.