تبدأ في المغرب بعد غدٍ حملة الاستفتاء على الدستور المعدل الذي عرض الملك محمد السادس مساء أمس خطوطه العريضة، وأبرزها تقليص صلاحياته، خصوصاً تلك المتعلقة بتعيين رئيس الحكومة والوزراء. وذكرت مصادر رسمية أن الحملة ستستمر عشرة أيام تفتح خلالها وسائل الإعلام الرسمية أمام مختلف القوى السياسية، بما فيها تلك التي يمكن أن تتخذ موقفاً مناهضاً لمشروع الدستور، على أن يتم الاستفتاء على المشروع مطلع الشهر المقبل. وأفادت مصادر أن مسودة الدستور المعدل تمنح صلاحيات واسعة لرئيس الحكومة الذي سيعينه الملك من الحزب الذي يتصدر الانتخابات التشريعية، إذ ستكفل له اقتراح أعضاء حكومته أو إقالتهم في إطار المشاورات مع المراجع الرسمية العليا، إضافة إلى تعيين موظفين رفيعي المستوى في الإدارة ومؤسسات القطاع العام. لكن المشروع أبقى على صلاحية تعيين السفراء والمحافظين بيد الملك، وصلاحيات سياسية أخرى واسعة، إضافة إلى صفته «أميراً للمؤمنين»، وهي السلطة الدينية الوحيدة في البلاد. وشكّل مجلساً أعلى للأمن سيتولى رئاسته. وتنص مسودة الدستور على ضمان استقلال القضاء عن السلطتين التنفيذية التشريعية، كما تعتبر البرلمان المصدر الأساس للتشريع. وخوّلت مجلس النواب التصديق على البرنامج الحكومي ومنح الثقة وطلب سحبها، كما حظرت تشكيل الأحزاب من منطلقات دينية أو عرقية أو قبلية ومنعت انتقال النواب من حزب إلى آخر خلال الدورة البرلمانية نفسها. ويؤكد المشروع «إسلامية الدولة المغربية»، بدل مدنيتها التي اقترحت في وقت سابق، مع إضافة الأبعاد العربية والأفريقية والأمازيغية والمتوسطية، مع ترفيع الأمازيغية إلى لغة رسمية. ويشير الدستور الحالي إلى أن «المغرب دولة إسلامية وجزء من العالم العربي والانتساب المغاربي». ولاحظ مراقبون أن الجدل العاصف الذي أثير حول هذه القضية بين تيارات إسلامية وعلمانية كان في مقدم الأسباب التي حتمت النص على صيغة وفاقية ترضي كل الاتجاهات، خصوصاً أن حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي هدد بالتصويت ضد مشروع الدستور في حال عرض إلى «حرية المعتقد»، فترك المشروع الباب مفتوحاً أمام «ممارسة كل الشعائر للسكان غير المسلمين»، في إشارة إلى الطائفة اليهودية. ولم تستبعد مصادر أن يشير الدستور المعدل إلى العبرية كأحد روافد المكونات التاريخية لتركيبة السكان. ويعتبر الدستور المعدل الجديد أول دستور يطرحه الملك محمد السادس على استفتاء شعبي منذ توليه العرش في صيف العام 1999، إذ حافظ في الفترة الأولى لحكمه على تشكيلة الحكومة والبرلمان. واعتبرت انتخابات العام 2002 أول استشارة شعبية تجري في عهده. غير أن ذلك لم يحل دون بروز انتقادات اتخذت من الملفات الاجتماعية محاور أساسية في ضوء تراجع الأوضاع المعيشية واستمرار الإضرابات في قطاعات عدة. وكانت «حركة 20 فبراير» الشبابية طالبت بمزيد من الإصلاحات ونظمت تظاهرات دعت من خلالها إلى «إسقاط الفساد ورموزه» وتقليص صلاحيات الملك الذي أعلن في 9 آذار (مارس) الماضي خطة لتعديل دستور البلاد وعيّن لجنة استشارية لإجراء مشاورات مع القوى السياسية والمركزيات النقابية ومكونات المجتمع المدني وحركات الشباب لإقرار دستور «يشكل نقلة نوعية في بنيات الدولة».