جددت قوات النظام السوري قصفها للغوطة الشرقية المحاصرة قرب دمشق موقعة المزيد من الضحايا المدنيين وسط اتهامات باستخدامه غاز الكلور السام، بالتزامن مع استمرار المعارك على الأرض وتقلص مناطق سيطرة الفصائل المعارضة أمام الهجوم البري العنيف. وأتى ذلك غداة اضطرار قافلة دولية محملة بالمساعدات إلى مدينة دوما إلى المغادرة قبل إفراغ حمولتها بسبب القصف الذي لم يتوقف خلال عملها، فيما أعلنت الأممالمتحدة إرسال قافلة جديدة غداً. وفي مدينة دوما، أبرز مدن الغوطة، والتي تعرضت إلى قصف جوي أمس طغى الدمار على المشهد، فعلى جانبي الطرقات تحولت أبنية إلى جبال من الركام. وذلك في بلدة حمورية، تركز القصف خلال ساعات الليل، ولم يخرج سوى بضعة مواطنين من الأقبية خلال النهار لتفقد ممتلكاتهم. وقال «مدير المرصد السوري» رامي عبدالرحمن إن عشر غارات استهدفت صباحاً بلدة جسرين، كما تتعرض مدن وبلدات أخرى من بينها دوما إلى قصف جوي». وأدت الغارات في جسرين إلى مقتل «تسعة مدنيين وإصابة أكثر من 40 آخرين بجروح»، لترتفع بذلك حصيلة القتلى منذ بدء التصعيد على الغوطة، في 18 شباط (فبراير) الماضي إلى أكثر 780 من قتيلاً مدنياً، من بينهم حوالى 170 طفلاً. وأشارت وكالة «فرانس برس» إلى أن بعض المدنيين في دوما يستغلون فترات الهدوء لنقل الحاجيات من منازلهم إلى الأقبية التي لجأوا اليها، وآخرين يجمعون أثاث المنازل الذي تكسر جراء القصف لاستخدامه للتدفئة أو الطبخ أو حتى لبيعه للأغراض ذاتها. ولفتت إلى أنه في مستشفيات الغوطة تتكرر مشاهد المصابين وهم يتلقون العلاج بعد إصابتهم بالقصف، أطفال يستلقون على الأسرة يبكون، وأهالٍ يعانقون أبناءهم لطمأنتهم، ومنهم من يبكي على من فقدهم. وأفاد المرصد ليل الاثنين– الثلثاء بوجود 18 حال اختناق بعد قصف لقوات النظام استهدف بلدة حمورية، فيما اتهم ناشطون معارضون باستخدام غاز الكلور السام. ووصف الإعلام الرسمي اتهام الحكومة السورية بالمسؤولية عن الهجوم ب «مسرحية الكيماوي». وقالت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن «مسرحية الكيماوي دليل انهيار الجماعات الإرهابية وتتزامن مع التقدم الكبير للجيش السوري في الغوطة وهدفها حماية الإرهابيين». ونقل التلفزيون الرسمي عن مصدر في شرطة دمشق قوله إن شخصين أصيبا بقذيفتين أطلقتهما الفصائل المعارضة على منطقة باب توما في دمشق. وتوازياً مع الحملة الجوية العنيفة المستمرة منذ أكثر من أسبوعين، واصلت قوات النظام هجومها البري من الجبهة الشرقية. وباتت تسيطر على 40 في المئة من المنطقة المحاصرة، بعدما استعادت بلدة المحمدية، فيما تركزت الاشتباكات أمس على أطراف بلدات بيت سوى والأشعري وأفتريس والريحان. ويعود التقدم السريع للنظام، وفق مراقبين، إلى أن العمليات العسكرية تدور في منطقة زراعية ذات كثافة سكانية منخفضة، وهي تهدف الى تقسيم الغوطة إلى جزءين شمالي حيث تقع دوما، وجنوبي حيث حمورية. وأقر «جيش الإسلام»، الفصيل الأبرز في الغوطة، بانسحاب مقاتليه من الجهة الشرقية، موضحاً أنها «منطقة زراعية مكشوفة ليس فيها تحصينات كالأبنية». إلى ذلك، أعلنت الأممالمتحدة أمس أنها تعتزم إرسال قافلة مساعدات أخرى إلى الغوطة الخميس المقبل بعد عدم تمكّن المسعفين من إفراغ حمولة 14 شاحنة من أصل 16 الاثنين بسبب قصف دوما. وأشار ينس لايركه من مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى أنه «بعد نحو تسع ساعات في الداخل، اتخذ قرار بالمغادرة لأسباب أمنية وتجنب المخاطرة بسلامة الفرق الإنسانية على الأرض». في المقابل، أعلن الجيش الروسي أجراء اتصالات مع منظمات إنسانية دولية من أجل إرسال قافلة مساعدات جديدة. وذكر الجيش أن القافلة الأولى التي بلغت وجهتها الإثنين سلمت 247 طناً من المساعدات الطبية والغذائية إلى دوما. من جانبه، أفاد كريستوف بوليراك من «منظمة الأممالمتحدة للطفولة» (يونيسف) أن العيش تحت الأرض أصبح معتاداً في الغوطة، مع إقامة بعض الأسر منذ الشهر الماضي في أقبية كان بعضها يؤوي 200 شخص. ولفت إلى أن ما لا يقل عن ألف طفل قتلوا أو أصيبوا في أنحاء سورية منذ بداية العام.