بات من المؤكد أن الدائرة الثانية في بيروت (المزرعة، رأس بيروت، الباشورة، عين المريسة، زقاق البلاط، المصيطبة، ميناء الحصن) ستشهد معركة انتخابية حامية الوطيس تتنافس فيها خمس لوائح حتى الساعة، بعضها مكتمل وأخرى ناقصة لملء 11 مقعداً نيابياً (6 للسنّة و2 للشيعة، وواحد لكل من الدروز والأرثوذكس والإنجيليين). ويبلغ عدد الناخبين فيها نحو 348 ألف ناخب يشكل الناخبون المسلمون فيها النسبة الأكبر وتتجاوز 62 في المئة، بينهم نحو 72 ألف ناخب شيعي في مقابل نحو 215 ألف ناخب سنّي و4500 درزي. ونحو 61 ألف مسيحين موزعين على مختلف الطوائف. ويفترض أن يبدأ العد العكسي لولادة اللوائح الانتخابية فور إقفال باب الترشح في 6 أيار (مارس) الجاري، مع أن لائحة تيار «المستقبل» برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري أصبحت مكتملة وستخضع بعد عودته من المملكة العربية السعودية إلى «رتوش» قد لا يؤدي إلى تعديل في أسماء المرشحين عليها. وفي المقابل، فإن المفاوضات بين الثنائي الشيعي (حركة أمل وحزب الله) وبين «جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية في بيروت» (الأحباش) والحزب «السوري القومي الاجتماعي» و «المؤتمر الشعبي» برئاسة كمال شاتيلا وصلت إلى مرحلة متقدمة ليكون جميع هؤلاء نواة لائحة ائتلافية غير مكتملة، من باب حرصهم - كما يقول مصدر شيعي بارز ل «الحياة» - على عدم تشتيت الأصوات التفضيلية، شرط تأمين الحاصل الانتخابي الذي يؤمن لهذه اللائحة الدخول في التصفية النهائية للحصول على عدد من المقاعد النيابية. ولفت المصدر نفسه إلى أن نواة هذه اللائحة ستشكل من المرشحين عدنان طرابلسي (أحباش)، محمد خواجة «أمل»، أمين شري (حزب الله)، سمير كنيعو (المؤتمر الشعبي)، فارس سعد عن المقعد الإنجيلي (السوري القومي الاجتماعي) للتعويض للحزب عن المقعد النيابي الذي خسره بعزوف مروان فارس (كاثوليكي) عن الترشح في دائرة بعلبك- الهرمل لمصلحة ألبير منصور. أما على صعيد «لائحة كرامة بيروت» التي يرعاها مباشرة رئيس تحرير جريدة «اللواء» صلاح سلام وعدد من أصدقائه، فعلمت «الحياة» من مصادر متطابقة مقربة من المرشحين على اللائحة، أن معظم أسمائها باتت محسومة بانتظار بت بعض الأمور المتعلقة بمرشحي المجتمع المدني. وفي هذا السياق، كشفت المصادر نفسها أن نواة اللائحة تتشكل من صلاح سلام، رئيس المركز الإسلامي علي عساف، المقرب جداً من الرئيس نجيب ميقاتي، عماد الحوت (الجماعة الإسلامية)، رئيس نادي «الأنصار» لكرة القدم نبيل بدر، ونادين عيتاني عن السنّة، على أن يترك المقعد السنّي السادس للمفاوضات الجارية مع أحد رموز المجتمع المدني إبراهيم منيمنة، الذي كان خاض الانتخابات البلدية الأخيرة في بيروت على رأس اللائحة المنافسة للائحة «البيارتة» المدعومة من الحريري وعدد من الأحزاب والشخصيات السياسية. وقالت المصادر عينها إن سلوى الأمين الخليل ستترشح عن أحد المقعدين الشيعيين على أن يترك المقعد الثاني للمفاوضات الجارية مع هيئات تنتمي إلى الحراك المدني. وأكدت أن المقعد الأرثوذكسي لا يزال شاغراً للغرض نفسه، فيما بات محسوماً ترشح العميدة المتقاعدة في الأمن العام دلال رحباني عن المقعد الإنجيلي، وأيضاً سعيد الحلبي عن المقعد الدرزي في حال لم يطرأ أي تعديل يستدعي استبدال مرشح آخر محسوب على الحراك المدني به. وبالنسبة إلى رئيس حزب «الحوار الوطني» فؤاد مخزومي، فإن مصادره أكدت ل «الحياة» أنه يعكف حالياً على جوجلة عدد من الأسماء المطروحة للترشح على لائحته وأنه سينتهي من مشاوراته في مطلع الأسبوع المقبل تمهيداً للإعلان عن أسماء المرشحين على اللائحة. وفي السياق أيضاً، قررت «حركة الشعب» برئاسة المرشح السابق للانتخابات النيابية إبراهيم الحلبي، أن تخوض الانتخابات وربما في لائحة غير مكتملة، تضم الأخير عن المقعد السنّي إضافة إلى عمر نجاح واكيم عن المقعد الأرثوذكسي، وهي تجري مشاورات مفتوحة مع يساريين من غير المنتمين إلى الأحزاب اليسارية وآخرين محسوبين على المجتمع المدني، وسيكون لهذه اللائحة امتداد في دائرة بيروت الأولى (الأشرفية) من خلال قرار الوزير السابق شربل نحاس خوض الانتخابات عن المقعد الكاثوليكي. وإلى حين اكتمال المشهد الانتخابي بولادة اللوائح، فإن ما يميز المعركة الانتخابية في دائرة بيروت الثانية عن المعارك الانتخابية في الدورات السابقة، يكمن في أن قانون الانتخاب الجديد الذي يعتمد على النظام النسبي والصوت التفضيلي أتاح المجال أمام فتح باب المنافسة على مصراعيه من خلال تعدد اللوائح، الأمر الذي لم يكن موجوداً في الماضي، انطلاقاً من رهان من يقف وراء هذه اللوائح على قدرته على تأمين الحاصل الانتخابي متلازماً مع الأصوات التفضيلية لضمان حصوله على عدد من المقاعد الانتخابية، على خلفية أن هناك صعوبة أمام أي لائحة في حصد جميع المقاعد المخصصة للدائرة، في إشارة مباشرة إلى اللائحة التي يتزعمها الحريري. حتى أن البعض يذهب بعيداً في مبالغته في أن لديه القدرة على أن يسجل خرقاً للائحة الحريري، هذا إذا ما استثنينا اللائحة التي يرعاها مباشرة الثنائي الشيعي والتي يغلب الحضور فيها على لون سياسي يتناغم في الدرجة الأولى مع قوى الممانعة في المنطقة وتحديداً إيران والنظام في سورية. لذلك، فإن المعركة الانتخابية في بيروت الثانية تبقى مفتوحة على احتمالات عدة، وإن كانت اللائحة المدعومة من الثنائي الشيعي تخطط لتأمين حاصل انتخابي وأصوات تفضيلية تتيح لها خرق لائحة الحريري بثلاثة مقاعد، إن لم يكن أكثر. فيما اللوائح الأخرى، ومن بينها لائحة «كرامة بيروت»، تعتبر أن خوضها الانتخابات يأتي بهدف حجب الحاصل الانتخابي عن اللوائح المنافسة للائحة الحريري، بهدف أن تصب لمصلحتها في صناديق الاقتراع. وعليه، تبقى مبالغة هذا الفريق أو ذاك في تسجيل خرق انتخابي من باب الرغبة في رفع معنوياته وتقديم نفسه إلى الناخبين البيارتة على أنه لن يدخل في المعترك الانتخابي من زاوية تسجيل موقفه، وإنما لديه القدرة على أن يكون في مقدم اللوائح المتنافسة على حصد المقاعد الانتخابية. وأخيراً، بعيداً من المبالغة واللجوء أحياناً إلى اعتماد «الحروب النفسية» لرفع معنويات الناخبين، فإن الكلمة الفصل تبقى ملكاً لصناديق الاقتراع، خصوصاً أن من يتزعم اللوائح الانتخابية بدأ يخطط منذ الآن لرفع منسوب الاقتراع بنسبة ملحوظة لم يسبق أن سجلتها الدورة الانتخابية السابقة، أي ما يفوق 55 في المئة من أصوات الناخبين، أكانوا من المقيمين في العاصمة أم الذين سجلوا أسماءهم لدى السفارات والقنصليات اللبنانية في الخارج لممارسة حقهم في الاقتراع في أماكن إقامتهم. وتبقى الإشارة إلى أن الحسابات الرقمية في بيروت الثانية ما زالت تطغى على السياسية منها، ريثما يصار إلى الإعلان عن اللوائح بصورة رسمية، والتي يفترض أن لا تغيب عنها البرامج السياسية في ظل التأزم الحاصل في المنطقة والحرب المشتعلة في سورية والنأي بلبنان عنها.