طبعة جديدة من رائعة رفاعة رافع الطهطاوي «تخليص الإبريز في تلخيص باريز»، صدرت مع كتابين آخرين له، في سلسلة «ذاكرة الكتابة» التي تصدرها الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة. وفي مستهل تقديم حمل عنوان «رفاعة الطهطاوي سارق النار»، يسأل الأمين العام للنشر في الهيئة نفسها الشاعر جرجس شكري: ماذا لو لم يذهب رفاعة إلى باريس مع البعثة التي أرسلها محمد علي؛ واعظاً وإماماً للتلاميذ المبعوثين؟ وكتاب الطهطاوي الأول صدر في العام 1834 وكان باكورة ثمار تلك الرحلة، وهو بمثابة وصف باريس في النصف الأول من القرن التاسع عشر، فكما عكف علماء الحملة الفرنسية –يقول جرجس شكري- قبل ربع قرن من سفر رفاعة إلى باريس؛ على دراسة أحوال المصريين، عكف هذا الشيخ المستنير بمفرده على دراسة أحوال المجتمع الفرنسي، وبداخله هذه الرغبة الجامحة في نقل أسباب التقدم إلى مصر المحروسة. عاش رفاعة الذي ولد في طهطا عام 1801 - يضيف شكري - ما يقرب من ثلاثاً وسبعين عاماً أنفقها في سبيل تقدم هذه الأمة، فقد نزح إلى القاهرة العام 1817 للدراسة في الأزهر، وبعد تسع سنوات كان الشيخ القادم من أعماق الصعيد يركب البحر في طريقه إلى الحضارة الحديثة. وبصدور هذا الكتاب مع الكتابين الآخرين؛ «مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية»، و «المرشد الأمين في تربية البنات والبنين»، نكون – والكلام لجرجس شكري؛ قد منحنا القارئ صفحة ناصعة من التاريخ المصري ممثلة في هذا الشيخ المستنير الذي انحاز إلى العلم وركّز في سنوات بعثته على الجوانب الروحية والفكرية والإنسانية في المجتمع الفرنسي. تلك الكتب الثلاثة، تؤكد وفق تقديم جرجس شكري، للأجيال الجديدة عظمة الثقافة المصرية وأن ما حدث من ارتداد في العقود الأربعة الأخيرة من تحريمٍ لإعمال العقل وانتصار موقت للفكر الذي يؤمن بالغيبيات ما هو إلا حالة عارضة، وسرعان ما ستزول ويستعيد الفكر المصري عافيته منتصراً على هذه الأفكار الدخيلة على الثقافة المصرية.