المعروف أن موضوع «الشاهنامة - كتاب الملوك» لأبي القاسم الفردوسي؛ هو معظم ما وعى الفرس من أساطيرهم وتاريخهم من أقدم عهودهم حتى الفتح الإسلامي، على أساس تاريخي مرتب ترتيباً زمنياً تصاعدياً؛ ويستمر القصص فيها على مدار 3874 سنة من خلال أربع دول هى اليشدادية والكيانية والأشكانية والساسانية. وهذا الكتاب بالغ الأهمية لا تتوافر منه نسخة كاملة متقنة إلا في برلين ترجمها فتح الأصفهاني عام 771 ه، وهي الأقدم. أما نسخة كمبردج، فليست بقيمة ولا نقاء نسخة برلين. وكتاب «الشاهنامة» الذي يحتوي على أخبار الملوك في التاريخ الفارسي وبطولاتهم ومعاركهم التي خاضوها؛ في ستين ألف بيت شعر؛ تُرجم إلى الكثير من اللغات وصدر بالعربية في طبعات عدة، أحدثها طبعة شعبية أصدرتها الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، وهي النسخة التي قام بتحقيقها وتقديمها عبد الوهاب عزام، وترجمها نثرياً الفتح بن علي البنداري «الأصفهاني». ولكن، من هو الشاعر الفردوسي؟ هو أبو القاسم منصور بن مولانا فخر الدين أحمد بن مولانا فرخ الفردوسي، وقد اختلف الجميع على اسمه فتارة هو حسن وتارة هو منصور وأحياناً هو أحمد، ولكن تم الاتفاق على كنيته أبو القاسم ولقبه الفردوسي الذي منحه إياه السلطان أبو منصور بن عبد الرزاق الطوسي- الذي أمر بجمع الشاهنامة- عندما قال: «إنك صيّرت مجلسنا فردوساً». كان الفردوسي يحلم بنظم التاريخ شعراً وقد سبقه في تلك الفترة أبو منصور بن أحمد الدقيقي ولكنه توفي قبل إنهاء العمل. والفردوسي نفسه يشير إلى هذا، بل ويضم إلى «الشاهنامة» بعضاً من أبياته. وما يميز الفردوسي هو أنه نأى بعمله هذا عن البطل الواحد أو القصة الواحدة، أو الحرب الواحدة كحال الإلياذة مثلاً. كما نجح في كتابة ملاحم الفرس وكتابة تاريخ أمة عبر أزمان مختلفة، وجهد شاق استمر خمسة وثلاثين عاماً. وهذا ما يشير إليه الفردوسي في مقدمته البديعة التي تشمل أيضاً مقالات مختصرة جداً في مديح العقل ومزيته: «العقل يهديك ويشرح صدرك ويأخذ بيدك في الدارين فيسددك، منه لذتك وألمك، وربحك وخسارتك، وإذا حرم العقل النور، حرم العاقل كل السرور». وأيضاً تضمنت تلك المقدمة مقالات مختصرة عن الشمس وخلق الإنسان وعن الدقيقي وعن طريقة جمع «الشاهنامة» وأيضاً فى مديح السلطان محمود. والحقيقة أن الفردوسي يمتاز بشعر مطبوع يستولي على القارئ وهو يحيي القصة التافهة بانطاق الممثلين أمامنا على حد قول ندلكة، ويفصل بين الحوادث وأحياناً يختلق الحوادث. ومن أجواء «الشاهنامة»: «بلونا ما تجيء به الليالي/ فلا صبح يدوم ولا مساء/ وأنضينا المدى طرباً وهماً/ فما بقي النعيم ولا الشقاء»(ص432). و «الشاهنامة» بعامة لها مكانة خاصة عند الفرس، فهي سجل تاريخهم وأناشيد مجدهم وديوان لغتهم وقد سماها ابن الأثير «قرآن القوم»، ولا شك في أن موضوع الكتاب والعصبية عند الفرس زادا من مكانته. ولا بد من الإشارة إلى أن الطبعة الأولى لهذه الترجمة (عام 1932) صدرت عن دار الكتب المصرية ثم صدرت الطبعة الثانية عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في عام 1993 وصدرت منها أيضاً الطبعة الثالثة 2010 والآن تعيد نشرها سلسلة «ذاكرة الكتابة» في الهيئة العامة لقصور الثقافة. تلك الطبعات يعود الفضل فيها إلى تحقيق وتقديم الراحل عبد الوهاب عزام. وكتاب الملوك أو «الشاهنامة» على حد قول الراحل جمال الغيطاني هو إلياذة الشرق وإن كان التعبير غير دقيق كما يقول الدكتور بديع محمد جمعة فى مقدمة هذه الطبعة الحديثة. إن شاهنامة الفردوسي تتناول العصر الأسطوري حيث الأبطال والملوك والعصر الحقيقي الذي يتناول الدولة الميدية وحكم الدولة الخهامنشية، وصولاً إلى الفتح الإسلامي. أيضاً لم تغفل القصص العاطفية، كما أنها سيرة حية لإيران قبل الإسلام بكل ما تتضمنه السيرة من معتقدات ومن معلومات من عقائد مذهبية متنوعة. وفي النهاية، فإن كتاب الملوك/ الشاهنامة للفردوسي عزز مكانته البارزة وسط الأعمال التي تؤرخ للشعوب ولعاداتها وأيضاً لبطولاتها وهو رصد لكل العوامل التي ساعدت في بناء ونمو المجتمع الفارسي في تلك الفترات.