هل يمكن فرض قيود على الذوق؟ لا شك في أن ذلك بالغ الصعوبة في مجتمعات متحررة كالمجتمعات الغربية حيث يمكن النساء والرجال ارتداء الملابس التي تعجبهم مهما كانت «عديمة الذوق» في نظر الآخرين. وإذا كان ذلك صعباً، كما يبدو، في حق البالغين، فإنه لا يبدو أقل صعوبة بالنسبة إلى الأطفال. لكن هذا تحديداً ما كان على الحكومة البريطانية أن تقوم به هذه الأيام للتصدي لما يراه كثيرون ترويجاً للجنس بين الأطفال. لم تتحرك الحكومة البريطانية إلا بعد حملة واسعة دامت قرابة سنة بعنوان «دعوا البنات يبقين بناتاً» قادتها جمعية «مامز نت» (تعنى بشؤون الأمهات) التي جادلت بأن متاجر كبرى تبيع أغراضاً تشجّع الفتيات الصغيرات على التصرف كأنهن راشدات، مثل بيعهن قمصاناً تحمل عبارات غير لائقة، أو حمّالات صدر للفتيات الصغيرات، أو تنانير بالغة القصر وأحذية عالية الكعب، أو ألعاباً تحمل شعارات فتيات «بلاي بوي». وامتدت احتجاجات الأمهات على الترويج للجنس بين الأطفال لتشمل أغاني تتضمن مقاطع لراقصات شبه عاريات من السهل مشاهدتها على مواقع الإنترنت، أو مجلات تحوي صوراً فاضحة يمكن بيعها على رفوف محلات يرتادها أطفال (قرب رفوف الحلويات مثلاً). إزاء حملة «مامز نت»، كان على الحكومة البريطانية أن تقرر هل إن هذا الأمر يتطلب فعلاً تشريعاً قانونياً يحدد «الأذواق» ما دام أن الأهل هم من يشتري هذه الأغراض «الجنسية» لأطفالهم، أم إن الأفضل ترك هذه الأغراض حتى تنتهي «موضتها» ويتوقف الناس عن شرائها. فهناك أدلة بالطبع على أن «الموضة» تتغير مع الوقت وتنقرض أحياناً. فكثيرون من جيل السبعينات والثمانيات من القرن الماضي لا بد أنهم يتذكرون «موضة» سجائر الحلوى التي كان الأهل يشترونها لأولادهم من دون أن ينتبهوا لتأثيرها فيهم في المستقبل. فقد كان الطفل يُخرج «السيجارة» من علبتها ويتظاهر بأنه «يدخنها» كما يفعل الكبار. لم ينتبه كثيرون من الأهل، إلّا في وقت متأخر، الى أن عادة تدخين الأطفال السجائر ربما تشجعهم في المستقبل على اعتبار تدخين السجائر الحقيقية أمراً عادياً ومقبولاً (أظهرت دراسة أميركية أن اثنين من بين كل ثلاثة أطفال كانوا يدخنون سجائر الحلوى كبروا ليصبحوا مدخنين). لكن «موضة» سجائر الحلوى صارت اليوم شيئاً من الماضي، من دون حاجة إلى تدخل حكومي لمنع بيعها. احتاج الأمر بالتأكيد إلى سنوات كي يعي الأهل مخاطر تدخين الأطفال سجائر الحلوى، فتوقفوا عن شرائها لأبنائهم. ومع تراجع الطلب في السوق على هذه السلعة، تراجع المنتجون عن الترويج لها حتى انقرضت كلياً في الأسواق البريطانية (عسى أن يكون ذلك صحيحاً أيضاً في العالم العربي). لكن الحكومة البريطانية اختارت، كما يبدو، ألا تنتظر «وفاة» موضة الترويج للجنس بين الأطفال، فشكلت لجنة برئاسة ريدج بايلي، رئيس جمعية «اتحاد الأمهات»، لدرس كيفية التعامل مع هذه المشكلة. وبعد شهور من المشاورات، قدّم بايلي توصياته إلى الحكومة – يوم الإثنين 6 حزيران (يونيو) – وضمّنها مجموعة اقتراحات من بينها: 1- على الباعة في المحلات أو المكتبات أن يضمنوا أن المجلات التي تحوي صوراً لعراة تكون موضوعة داخل أغلفة تمنع رؤية محتواها (مثل وضعها في مغلّف بنّي اللون). 2- أشرطة الفيديو الموسيقية يجب أن تُباع وفق ترتيب يحدد سن من يمكنه مشاهدتها، تماماً كالأفلام التي تحمل ترميزاً يحدد الفئة العمرية التي تستطيع مشاهدتها. 3- فرض قيود على مواقع الإنترنت لضمان السماح للأهل بفرض رقابة تمنع الأطفال من مشاهدة أفلام أو مقاطع ذات طبيعة جنسية (عراة أو شبه عراة). 4- إصدار «مدوّنة لقواعد السلوك» بين المتاجر في شأن الأمور التي يُسمح ببيعها للأطفال. وهذا الأمر بالغ الأهمية لأنه سيُحرج المتاجر التي ستخالف مدونة السلوك في حق الأطفال وتؤدي ربما إلى إطلاق حملة لمقاطعتها. 5- فرض قيود على المعلنين تمنعهم من عرض إعلانات ذات طبيعة جنسية (مثل النساء في المايوهات) في أماكن عامة قريبة من المدارس أو المواقع التي يرتادها الأطفال، وتحديد أن فئة الأطفال تشمل كل من لم يبلغ بعد 16 سنةً. 6- إرغام المؤسسة المكلفة منح التراخيص للإعلانات على استشارة الأهل أكثر في الأمور التي تثير إزعاجهم أو قلقهم في شأن الطبيعة الجنسية للإعلانات. 7- إنشاء موقع رسمي موحد على الإنترنت يسمح للأهل بتقديم شكوى عبره للمنظمات المعنية من ممارسات تثير قلقهم في شأن الترويج للجنس بين الأطفال. 8- استشارة الأهل في شأن موعد التاسعة ليلاً، وهو الوقت الذي تعتمده بريطانيا حالياً والذي يُسمح فيه لوسائل الإعلام بأن تبدأ بث برامج تتضمن أموراً جنسية. وتقول لجنة «أوفكوم» المكلفة ضمان التزام وسائل الإعلام بالقيود المهنية، إنها لا تملك حالياً رقماً محدداً للشكاوى التي يقدمها الأهل ضد وسائل الإعلام التي تعرض مشاهد فاضحة قبل التاسعة ليلاً، لكنها مستعدة للتعاون في شكل أكبر مع الأهل لضمان عدم تكرار الخروق المشتبه بها من قبل التلفزيونات. يتوقف بايلي في توصياته قبل أن يطلب من الحكومة فرض غرامات على المخالفين، لكنه يترك الباب مفتوحاً أمام اللجوء إلى مثل هذه الخطوة، قائلاً إن هناك حاجة إلى معاودة النظر في هذه المسألة بعد 18 شهراً كي يتم تحديد هل تحققت الغاية من توصيات لجنته بالتصدي للترويج للجنس بين الأطفال أم إن هناك حاجة إلى إجراءات أخرى... عقابية. * «الحياة» نشرت موضوعاً ذا صلة بعنوان «دعوا البنات يبقين... بناتاً» في 23 كانون الأول (ديسمبر) 2010. http://www.daralhayat.com/internationalarticle/215541