مع روايتها الجديدة «حرب صغيرة وسطحية» الصادرة في الايطالية ( 2011)، تتابع الروائية الألبانية ألفيرا دونس بزخم تجربتها الروائية التي جعلت منها اسماً معروفاً في إيطاليا والولاياتالمتحدة إلى جانب بعض الروائيات الألبانيات اللواتي هجرن ألبانيا ويعشن في الغرب الآن مثل أنيلدا إبراهيمي وأورنيلا فوربوسي. ولدت دونس في مدينة دورس على الساحل الألباني في 1960 وتخرجت من قسم اللغة والادب الالباني في جامعة تيرانا في 1988 وانخرطت فوراً في العمل بالتلفزيون الالباني. سافرت آنذاك في مهمة تلفزيونية الى سويسرا حيث بقيت ورفضت العودة الى «جنة أنور خوجا» مما أدى الى محاكمها غيابيا بتهمة «الخيانة». وفي سويسرا اشتغلت بالكتابة وغدت تكتب بالألبانية والايطالية وفي العمل للتلفزيون سواء بكتابة السيناريو أو بانتاج أفلام وثائقية تهتم بأوضاع المرأة. وبعد سقوط النظام الشمولي في ألبانيا (1992) أخذت تنشر أولى مجموعاتها القصصية والروايات، ومن ذلك «حب غريب» و «ازهار خاطئة» و «يوم أبيض مهان» و «النجوم لا تُلبس هكذا». وفي 2004 انتقلت للعيش والعمل في الولاياتالمتحدة حيث استقرت. في غضون ذلك، أصدرت في الايطالية ثلاث روايات، وهي «حب غريب» (1998) و «النجوم لا تُلبس هكذا» (2001) و «يوم أبيض مهان» (2004)، كما صدرت الآن روايتها الرابعة في الايطالية «حرب صغيرة وسطحية». وبمناسبة صدور الرواية الاخيرة انطلقت في جولة من الولاياتالمتحدة لتتحدث عن روايتها الجديدة، تزور فيها سويسرا وايطاليا وكوسوفو (مسرح الرواية). معروف عن دونس اهتمامها بمصير المرأة، سواء في بلدها الاصلي أو في الدول التي تنقلت وعاشت فيها. ومن هنا، فإنها في روايتها الجديدة لا تبتعد عن هذا الموضوع ولكن تتخذ له إطاراً مكانياً جديداً (كوسوفو) وبعداً ملحمياً في مغزى الحرب التي دارت في 1999 بالنسبة للطرفين المتصارعين. قيل آنذاك لتبرير الحرب التي قادها حلف الاطلسي على صربيا لإرغامها على وقف مجازرها في كوسوفو، إنها لن تكون أكثر من «حرب صغيرة وسطحية»، وانها لن تعيد أي أميركي في تابوت الى بلاده. وهكذا يمكن القول إن «الحرب الصغيرة والسطحية» تحققت كما رُوّج لها في وسائل الاعلام، حيث بدأت في 24 شباط (فبراير) 1999 وانتهت في 10 حزيران (يونيو) 1999، ولم يقتل فيها أي أميركي. ولكن ماذا عن الطرف الآخر الضحية، الذي عانى مرتين: الرعب من القصف المتواصل، والرعب من رد فعل القوات الصربية التي انتقمت من السكان المحليين بعد أن فشلت في رد القصف الجوي المتواصل عليها؟ قررت دونس أن تذهب فور توقف الحرب الى كوسوفو، وأن تجمع من الشهادات الحية ما أمكنها عن ذلك الجانب الآخر من «الحرب الصغيرة والسطحية». ولانها تهتم دائم بمصير المرأة، ركزت أكثر على هذا الجانب الذي أصبح ضحية مزدوجة للحرب الدائرة: المرأة ككيان انساني والمرأة كرمز انثوي مقصود لذاته في مثل هذه الحروب المجنونة في البلقان. وتختار دونس لروايتها ثلاث بنات مراهقات وجدن أنفسهن حبيسات في بيت واحد من بيوت بريشتينا العاصمة، التي أصبحت فجأة ضحية للقصف الجوي من حلف الاطلسي وللممارسات العنيفة للقوات الصربية التي استقوت على المدنيين، ومن خلالهن تتابع العلاقة الحالمة بين المراهقة بليريمه ذات ال 13 عاماً وبين المراهق فاتمير الذي لم يتجاوز ال 15، حيث تنتهي الاحلام الى ماهو أسوأ من الموت. في رواية دونس، التي تأتي أولاً في الايطالية قبل غيرها من لغات الاطراف المعنية ب «الحرب الصغيرة والسطحية» (الالبانية والصربية والانكليزية)، تتجلى مهارة في استخدام المكان والزمان والموضوع (حرب كوسوفو 1999) لتنتج لنا رواية ضد الحرب بأي مسمى كان، حتى ولو كانت «صغيرة وسطحية»، فالعمق الذي تأخذنا اليه دونس لتعرِّفنا إلى الجانب الآخر للصورة التي حرصت وسائل الاعلام على إبرازها، تؤكد على بشاعة الحرب وبخاصة على الجانب الاكثر تأثراً بها: المدنيون والنساء والمراهقون والاطفال الذين لهم أحلامهم البريئة عن المستقبل. رواية دونس تصدر بالصدفة الآن في ايطاليا التي شاركت في حرب 1999 وتشارك الآن في «حرب صغيرة وسطحية» أخرى على ليبيا لم يسقط فيها أي جندي ايطالي بعد. ولكن ماذا عن الجانب الآخر الذي تناولته دونس في روايتها؟