إنها سارة بيازيني (33 سنة)، إبنة نجمة السينما الراحلة رومي شنايدر التي عرفت أوج مجدها العالمي في سبعينات القرن العشرين، وعاشت قصة حب ملتهبة مع آلان ديلون في بداية حياتها الفنية، قبل أن تتزوج من هاري ماير وتنجب منه إبناً رحل عن الدنيا في ظروف أليمة جداً، ثم اقترنت بدانيال بيازيني، والد سارة التي كانت في الخامسة من عمرها عندما فقدت أمها. بيازيني أيضاً شغوفة بالتمثيل. التحقت بواحدة من أفضل مدارس الفنون المسرحية في باريس، كي تحترف الدراما، وفعلت. إلا أن الوسط السينمائي، الذي أرادت خوض غماره في الأساس، على غرار والدتها، لم يفتح لها ذراعيه إلا في حالات نادرة، مقدماً لها فرصة الظهور في أفلام متوسطة، بل رديئة المضمون، وقبلتها بيازيني، على الأرجح لقناعتها بأن موهبتها ستطغى على مستوى الفيلم وتجلب لها أدواراً أفضل في المستقبل. لكن الحلم لم يتحقق. وأمام خيبة الأمل انسحبت بيازيني من المجال الفني، باحثة عما ينسي أهل المهنة أنها إبنة شنايدر فيعاملونها مثل أي ممثلة مبتدئة عادية. هكذا، فكرت في المسرح، وتوجهت إلى مخرجين مسرحيين مخضرمين، معلنة رغبتها في خوض تجربة الخشبة، ومعترفة بقلة خبرتها باستثناء ما حصّلته في مدرسة الفنون المسرحية طبعاً، خصوصاً أن دراستها لم تعلّمها الأداء أمام الكاميرا بل على خشبة المسرح. وتكللت محاولات بيازيني بشيء من النجاح، إذ بدأت تُكلّف بأدوار في مسرحيات كلاسيكية، لشكسبير وموليار، وماريفو - ملك الكوميديا والسخرية في المسرح الفرنسي التقليدي. في كل مرة وقفت بيازيني على الخشبة، نالت أصداء جيدة من أوساط النقّاد وإعجاباً جماهيرياً لا بأس به، إنما من دون أن تحقق النجومية... إلى أن عُرضت عليها البطولة النسائية في مسرحية «رسالة من إمرأة مجهولة» التي تعتبر من أجمل وأقوى ما كتب المؤلف النمسوي الراحل ستيفان زفايغ. وواجهت بيازيني تحدي هذا الدور الصعب في عمل لا يتضمن سوى شخصية نسائية واحدة، تقضي وقتها في حوار طويل وهمي مع رجل عشقته حتى الموت وتجاهلها. ويعرض العمل فوق خشبة مسرح «ماتوران» الباريسي منذ حوالى شهر، وتوضع يافطة «مكتمل العدد» على مدخل المسرح، كل ليلة، ليصفق الجمهور وقوفاً في ختام العرض، لبيازيني وشريكها في العرض. وأخيراً، تحقق الحلم وصارت إبنة النجمة الراحلة، نجمة بدورها، من دون فضل لصلة القرابة، إذ أثبتت بيازيني موهبتها بعد طول تعتيم. ويبدو أن السينما عادت لتبدي اهتمامها بسارة بيازيني، والتلفزيون أيضاً. إذ تلقت الفنانة، منذ بدء تقديم المسرحية، ثلاثة عروض للمشاركة في أفلام ومسلسلات، إثر حضور عدد من المخرجين ومساعديهم عرض «امرأة مجهولة» في مسرح «ماتوران»، واقتناعهم بأهليتها للعمل أمام الكاميرا. ويبقى أن تجتاز بيازيني التحدي الثاني، ومجدداً أمام الكاميرا. وهذه المرة، ربما يفضي نجاحها في «الامتحان» إلى مرحلة جديدة من مسيرتها الفنية، كسارة بيازيني، لا كإبنة رومي شنايدر.