تعرض الإيزيديون على مر التاريخ للعديد من الانتهاكات وللاضطهاد والمجازر منذ أيام مير جعفر الداسني، إلى حملات القرنين السادس وال17، وولاة بغداد العثمانيين، حتى جاء عهد الجهاديين و«الدواعش». وبين أسباب تعرضهم لتلك النكبات تمسكهم بديانتهم الفريدة من نوعها. فهي مزيج من ديانات عدة، مثل اليهودية والمسيحية والإسلام والمانوية والصابئة، وتختلف معتقداتهم ورموزهم الدينية عن الديانات السماوية الثلاث، فهم يعتبرون الله ربهم، ولكنهم يؤمنون بأن الملك على الأرض هو الطاووس، الذي يعتقدون بأنه يحكم الأرض بمعية سبعة ملائكة خاضعة للرب الأعلى، ولديهم طقوس خاصة بهم ويشتهرون بصناعة الكحول والحلويات المنزلية. وبسبب معتقداتهم غير المألوفة، غالباً ما يُعتقد أنهم «عبدة الشيطان»، وهو ما ينفونه بشدة. وسجل تنظيم داعش الإرهابي أبشع جرائمه الإرهابية في إقليم سنجار معقل الطائفة الإيزيدية في شمال العراق، وذلك بعد أن اجتاح التنظيم المنطقة مطلع آب (أغسطس) 2014 وحتى تحريرها في أواخر عام 2015 على يد البيشمركة قبل أن تسيطر عليها القوات العراقية مجدداً في النصف الثاني من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وارتكب التنظيم الإرهابي في المنطقة عدداً من المجازر الدموية، إضافة إلى عدد من الانتهاكات اللا إنسانية ضد القبائل الأيزيدية، والتي لاتزال مستمرة على رغم سقوط العواصم المزعومة للتنظيم الإرهابي، إذ لايزال نصف الإيزيدين الذين اختطفهم التنظيم الإرهابي، معظمهم من النساء والأطفال، في عداد «المفقودين»، وتُقدّر أعداد الإيزيدين الذين ما زالوا تحت سيطرة التنظيم الإرهابي بنحو 3210، بينهم 1507 نساء، و1703 رجال، إلى جانب أطفال لم يتم تحديد عددهم. وبحسب المديرية العامة لشؤون الإيزيدية في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في إقليم كردستان فإن عدد الأيتام من الأطفال الإيزيديين بلغ 2525 يتيماً، 1759 منهم فقدوا آباءهم، و407 فقدوا أمهاتهم، و359 فقدوا كلا الوالدين. في المقابل هناك 220 طفلاً لا يزال آباؤهم محتجزين لدى تنظيم الدولة الإسلامية. كما بلغ عدد المقابر الجماعية المكتشفة حتى الآن 47 مقبرة، فيما بلغ عدد المزارات والمراقد الدينية التي فجرها المتطرفون 68 موقعاً. وكان عدد الإيزيديين في العراق يبلغ عددهم 550 ألف نسمة في عام 2014، مئة ألف منهم غادروا البلاد بعد هجوم التنظيم الإرهابي، فيما نزح 360 ألفاً إلى كردستان العراق أو سورية. ويعد الأيزيديون أقلية ليست مسلمة ولا عربية، كما بلغ عددهم أكثر من نصف مليون شخص، ويتركز وجودهم خصوصاً قرب الحدود السورية في شمال العراق. وتعود الديانة الإيزيدية إلى آلاف السنين حين انبثقت من الديانة البابلية القديمة في بلاد ما بين النهرين، فيما يقول البعض إنها خليط من ديانات قديمة، مثل الزرادشتية والمانوية. ويكن تنظيم داعش الإرهابي العداء الشديد لهذه المجموعة الناطقة بالكردية ويعتبر أفرادها «كفاراً». ووفقاً لتقرير صادر عن الأممالمتحدة في أواخر أغسطس، فإن آلاف النساء والفتيات وخصوصاً من الأقلية الإيزيدية، تعرضن لاعتداءات مروعة في المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش الإرهابي كعمليات اغتصاب وخطف وسبي. وحظي ملف الانتهاكات ضد الطائفة الإيزيدية من تنظيم داعش الإرهابي باهتمام دولي وأممي كبير، إذ دعت بعثة الأممالمتحدة المستقلة للتحقيق في سورية، أخيراً، المجتمع الدولي للاعتراف بأن ما عمله تنظيم داعش بالإيزيديين هو إبادة جماعية. ونص تقرير البعثة المنشور في الموقع الرسمي لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأممالمتحدة على أنه «يجب على المجتمع الدولي الاعتراف بأن (داعش) يرتكب جريمة إبادة جماعية ضد الإيزيديين، ويجب اتخاذ خطوات كي يتم النظر في الوضع من هيئات العدالة، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية أو المحكمة العسكرية الموقتة». كما دعت البعثة المشاركين في الحرب ضد «داعش» لاستخدام جميع الوسائل المتاحة لتحرير الإيزيديين الذين وقعوا في الأسر أثناء العمليات العسكرية الجارية. كما أصدرت لجنة التحقيق الدولية المعنية بسورية تقريراً بعنوان «جاؤوا ليُدَمِروا: جرائم «داعش» ضد الإيزيديين» ذكرت فيه أن تنظيم داعش يرتكب الإبادة الجماعية ضد الإيزيديين، وأن ممارسات التنظيم ضدهم تصل لمستوى جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية. وأكد التقرير أن «الإبادة الجماعية للإيزيديين مستمرة»، كما حث المجتمع الدولي على بذل المزيد من أجل حماية تلك الأقلية الدينية في الشرق الأوسط، وتوفير الرعاية بما فيها الرعاية النفسية والاجتماعية والمادية لضحايا تلك الإبادة. وقال باولو بينيرو رئيس اللجنة «إن الإبادة الجماعية حدثت وما زالت مستمرة. عرّض (داعش) كل امرأة وطفل ورجل إيزيدي من الذين اختطفتهم إلى أبشع الانتهاكات». وأشار التقرير إلى أن تنظيم داعش، الذي اعتبر الإيزيديين «كفاراً»، سعى إلى تدمير الجماعة الدينية العرقية من خلال القتل والاستعباد الجنسي والتعذيب والمعاملة المهينة واللا إنسانية، وكذلك عبر الترحيل القسري، الذي تسبب بأضرار نفسية وبدنية. وذكر التقرير أن النتائج التي توصلت إليها اللجنة مبنية على مقابلات مع ناجين، وقادة دينيين، ومهربين، وناشطين، ومحامين، وأطقم طبية، وكذلك صحافيين، إضافة إلى مراجعة كمية كبيرة من الوثائق، التي عززت المعلومات التي جمعتها اللجنة. كما حث القوى الكبرى على إنقاذ ما لا يقل عن 3200 امرأة وطفل من الإيزيديين لا يزال تنظيم يحتجزهم، وإحالة القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية. وكررت اللجنة دعوتها لمجلس الأمن بأن يقوم وبشكل عاجل بتحويل الوضع في سورية إلى محكمة الجنايات الدولية، أو أن يقوم بإنشاء محكمة خاصة موقتة من أجل التعامل مع العدد الضخم من الانتهاكات التي تم ارتكابها خلال النزاع المسلح المحلي.