لولا القلق الذي أثارته الصين باستنساخها ثدييات قريبة بيولوجياً من تركيب البشر، لما عكّر شيء «تسونامي» الفرح الذي رافق إعلان إنجاز تمثّل في استيلاد بويضات البشر في المختبر للمرّة الأولى. ولا أقل من المبادرة بالفرح لإنجاز علمي يجدد خصوبة الجسد الأنثوي، ويديم قدراته في الإنجاب، كما يضرب صوراً نمطية راسخة عن تقدّم الأنثى في العمر، بل يحفظ لها خصوبة شابة مديدة. وبفضل جهد بريطاني- أميركي، جرى استيلاد بويضات بشريّة في أطباق المختبر، بمعنى أنها كانت موضع متابعة منذ بداية تشكّلها في نسيج المبيض، وصولاً إلى اكتمالها بيوضاً صالحة للتلقيح لتصير أجنّة. وتحقّق الإنجاز على أيدي فريقين علميين مختصين في الطب التجديدي (Regenerative Medicine) في «مركز الإنجاب البشري» بنيويورك ومستشفى للبحوث في أدنبرة، عاصمة اسكتلندا. ووفق في مجلة علميّة مختصة بالجينات وعلاقتها بالإنجاب، حدث تقدّم علمي مماثل (بل أبعد منه كثيراً) في تجارب على حيوانات، خصوصاً استيلاد مبيض اصطناعي عام 2010، لكنها المرّة الأولى التي يتحقّق فيها ذلك لدى البشر. واستدرك بعض المختصين، على غرار أستاذ طب الغدد الصماء في «الكليّة الملكيّة البريطانيّة» علي آبارا، نشوة الفرح بالإشارة إلى أن التجربة لم تتضمن وضع البويضات المختبرية قيد عملية تخصيب. وخلص آبارا إلى القول بوجوب خوض بحوث موسّعة قبل أن يصبح الإنجاز تجديداً فعليّاً للقدرة الأنثوية على الخصوبة والإنجاب. واستند استيلاد بويضات بشريّة في المختبر، إلى تراكم علمي في الطب التجديدي والإنجابي عند البشر، شمل خصوصاً التوصل إلى تجميد بويضات الأنثى سنوات واستخدامها في الإنجاب مجدداً، والتطوّر في وسائل التلقيح الاصطناعي، والتحكّم هرمونيّاً بإنتاج البويضات، ونقل أجنة من أنثى إلى أخرى... وغيرها. لنتذكر «دوللي» ويعتبر الإنجاز قفزة كبرى في حرب الطب التجديدي على مشكلة العقم المتفاقمة في المجتمعات المتقدمة، إذ تهدّد خصوبة النساء عوامل تشمل تأخر سن الزواج، وارتفاع معدلات الأعمار وتشييخ السكان، وارتفاع الإصابات بالسرطان الذي تضرب علاجاته المبيض وتُوْقفه عن الإنتاج. وأزيلت عقبة أخرى بين تقدّم الأنثى في العمر وقدرتها على الإنجاب، ما يعني أن مصطلحاً مثل «سن اليأس» آن له أن يحال على التقاعد، لأنّه صار وراء ظهر العلم المتقدم والحركة النسويّة أيضاً. ولا تمنع قوّة الإنجاز من تذكّر المقلب الآخر للمشهد العلمي ذاته، خصوصاً عودة الشبح الكابوسي لاستنساخ البشر. وأواخر الشهر الماضي، أطلقت الصين مفاجأة علميّة مدويّة بتوصل علمائها إلى استنساخ حيوانات ثديية من النوع الذي يشار إليه بالرئيسيّات («برايميتس» Primates)، وهو تصنيف بيولوجي يشمل البشر. وأظهرت الصين أن الاستنساخ جرى بالتقنيّة التي استولدت بها النعجة الشهيرة «دوللي» قبل ما يزيد على عقدين. وللتذكير، استُنسِخَتْ «دوللي» من بويضة فرّغت ثم لقّحت من نواة خليّة عادية أُخذت من الجلد. وفي أطباق المختبر، انجزت المراحل الأولى من التلقيح الاستنساخي، ثم نقلت البويضة إلى رحم كي يكتمل نموها. وإذ تعلّقت التجربة الصينية باستنساخ قردة، ألقيت ظلال ثقيلة الوطأة على إمكان أن يفتح الأمر الباب أمام استنساخ البشر، خصوصاً أن مزاعم عن تجارب من ذلك النوع تبرز بين فترة وأخرى، مع نفيٍ لا ينجح دوماً في تبديد المخاوف. إذاً، على غرار إنجازات علميّة شتّى (طاقة الذرّة مثلاً)، يفتح العلم باباً مزدوجاً، يختلط فيه الأمل بمستقبل أفضل للبشريّة عبر هزيمة العقم ببيوض بشريّة مستولدة في المختبر، مع مخاوف كابوسيّة من الاقتراب خطوة أخرى من الأفق المرعب لاستنساخ البشر.