شهدت السعودية أول انتخابات بلدية العام 2005، لكن حماسة الحكومة لهذه الخطوة هدأت، وجرى تأجيل الدورة الثانية التي كان مقرراً إجراؤها العام 2009، وتم الاكتفاء بتمديد عمل المجالس التي تم انتخابها في الدورة الأولى لمدة سنتين، ومن دون ذكر الأسباب. اليوم تستعد البلاد لخوض التجربة مرة أخرى، وسيتم التصويت على المرشحين الجدد في 22 أيلول (سبتمبر) المقبل. الانتخابات الجديدة شهدت جدلاً واسعاً قبل بدايتها، وكان الموضوع الأبرز في هذا الجدل حرمان المرأة من المشاركة، فضلاً عن غياب الصلاحيات والاستقلال المالي، وتحديد موازنة المشاريع التي تحتاجها المدن ومراقبتها، والاكتفاء بانتخاب نصف المجلس وتعيين نصفه الآخر. الدورة الأولى شهدت مهرجانات دعائية صاخبة، وأعلن بعض المرشحين برنامجا انتخابيا، فيخيل إليك انه يرشح نفسه للفوز بمنصب سياسي من ضمن مهامه حل القضية الفلسطينية. وانعكست المبالغة في طرح البرامج الانتخابية سلباً على جدوى الانتخابات وجديتها، وأعرض كثير من الناس عن المشاركة فيها لاعتقادهم بأن ما يجري مجرد مهرجان للدعاية السياسية، ولا علاقة له بمشاركتهم في حل مشاكلهم المتعلقة بالخدمات البلدية. هذا الشطط في الممارسة الانتخابية جرى التعامل معه بشكل إيجابي في الانتخابات المقبلة، فقامت أمانة منطقة الرياض منذ مطلع الشهر الجاري، بتنفيذ برنامج توعية بثقافة الانتخاب، ويتلخص هذا البرنامج بدعوة خمسين طالباً يومياً، وعلى مدى شهر كامل، ويتم ترشيح أربعة منهم من قبل مدارسهم، ويقوم المرشحون الشباب باعلان برامجهم الانتخابية أمام زملائهم، ثم يبدأ الاقتراع، ويتولى الطلاب عملية الفرز. وبعد نهاية العملية توضع صور الفائزين في لوحة أعضاء المجلس البلدي المفترض، إضافة الى دعوة هؤلاء الشباب مستقبلاً الى المجلس المنتخب، والاستماع اليهم. شاركت الطلاب هذه التجربة، أمس، ولفت نظري أن المرشحين الشباب الذين فازوا في التصويت هم الذين تضمنت برامجهم الانتخابية بنوداً تتعلق بالخدمات البلدية، ما يشير الى أن البرنامج حقق الهدف. التجربة تشير بوضوح الى جدية الحكومة في تفعيل عمل المجالس البلدية، ولعل كارثة مدينة جدة كشفت لها أهمية إشراك المواطنين في صنع القرارات التي تمس حياتهم ومصالحهم الخاصة. التجربة في بدايتها، وهي تفتح الأمل بتوسيع قضية المشاركة في مجالات أخرى، أبرزها مجلس الشورى.