وحيداً أسير في شارع مظلم، يأتيني الضوء عن يساري، فيمتد ظلي عن يميني، طويلاً كما تمنيت أن أكون، أنا الذي عايره زملاء المدرسة بالقصر والنحافة. يراودني إحساس بأنني مراقب، أتلفت حولي وأستدير، فيعجبني شكل ظلي، أراوده عن نفسه، أقول: تدخلني وأدخلك، فأرى نفسي في مرآة قديمة، ضئيلاً كما أنا، بأجندة الجامعة، مندسة بين أوراقها تذكرة مترو الأنفاق، بحثت عنها طويلاً، ولم أجدها إلا بعد أن رجعت إلى البيت، ودفعت الغرامة للقميص البني، والحذاء المقطوع. أشعر أن هناك من يتفرج عليّ، أرغب في تحسين أدائي، لكن أجدني أتحرك رغماً عني: أسير يميناً ويساراً، وأرفع يديّ إلى وجهي، ثم إلى شعري، دون إرادة مني، حتى انتبهت إلى أنني أتابع حركات ظلي تماماً. رغم أنني في مرآتي القديمة لامست أنامل البنت فابتسمت، البنت التي تخاف من السلم الكهربائي في مترو الأنفاق، لكنها تخجل أن تقول، تتردد للحظة ثم تقدم قدمها اليسرى، وتغمض عينها، وتقبض على ذراعي بقوة، وعندما تشعر بانسياب الحركة، تفتح عينها وتترك ذراعي، لتتحرك في شقاوة صاعدة عكس حركة السلم الكهربائي. أغيب للحظة وعندما أعود لا أجد ظلي، بينما الضوء ماثل كما هو يجرح عيني، وأبقى عاجزاً عن الحركة، فقط أبحث بعيني عن ظلي، على الأرض، على الجدران، في مداخل البيوت، وتلوح مني التفاتة إلى أعلى، فألمحه في السماء يلهو بين سحابة وأخرى، وأنا مقيد بحذائي الملتصق بطين الأرض. لكن البنت ضمت ابتسامتها، مكثت قليلاً وولَّت. حاولت النظر إلى جسدي، فلم أجد سوى الهواء، ارتميت وسط الشارع متمرغاً في الأرض، قلت أمدد جسدي قليلاً على المقعد الوحيد في الميدان، غفوت قليلاً حتى أتى عاشقان جلسا فوقي، وتكلما براحتهما، كأنني غير موجود. ابتهلت كثيراً، حتى نزل ظلي من السماء إلى مكانه بجواري، وفجأة امتلأ الشارع بالضجيج والمارة، واختفى الضوء، لكن ظلي بقي كما هو، وداس الناس عليه بأحذيتهم، ودهسته عجلات السيارات، من دون أن يتوقف أحدهم لصراخي.