رجال الأعمال يتحفظون، يحذرون ويستنكرون، يأخذون وبالمزيد يطالبون، وعندما يصدر نظام أو تنظيم أو برنامج فيه خير للبلاد والعباد يتحركون، وفي غرفهم التجارية والصناعية للمسؤولين يحاصرون! أصبحت مقارّ الغرف التجارية الصناعية بالمملكة، خاصة في الرياضوجدة والدمام، مستعمرات مقاومة ضد أي مشروع يخالف أو يمس المصالح الذاتية لأرباب المال والأعمال، وحماية الأرباح الطائلة التي تحققها منشآت القطاع الخاص تحتاج إلى برنامج مقاومة طويل المدى، وتستحق التضحية بالجهد والوقت، ولسان طويل يصدح بما هو منطقي قابل للنقاش، وما يتنافى مع المصلحة العامة التي أصبحت في صراع شرس بلغ ذروته مع حواجز وعقبات بل وسدود المصالح الخاصة! لو تطوع باحث في الشؤون الاقتصادية وعاد للوراء 10 سنوات مضت وراجع تصريحات وتلميحات وندوات ومؤتمرات انطلقت من الغرف التجارية الصناعية بالمملكة، سنعرف مدى تأثير رجال المال والأعمال على صناعة القرارات ومقاومتها بل وإفشالها في كثير من الأحيان، وأنا هنا أتحدث عما له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بمصالح التجار والصناع! عندما انطلقت في القرن الماضي مفاهيم وأساليب وحوافز عالمية جديدة لجذب الاستثمارات، هرولت دول الخليج خلفها من دون وضع خطط محكمة تستفيد خلالها من حوافز الميزات النسبية التي تقدمها للمستثمرين، بشكل مماثل لما حدث في ماليزيا وسنغافورا وكوريا الجنوبية وغيرها من الدول التي استفادت من خططها وبرامجها في نقل وتوطين التقنية وتدريب وتأهيل الموارد البشرية والوصول إلى مرحلة متقدمة من الاقتصاد الذي يعتمد على المعرفة. تكاتفٌ وإخلاصٌ وتوجهٌ من أجل بناء الوطن، بين الحكومات ورجال المال والأعمال في تلك الدول أوصلها المكانة التي تستحقها، أما في حالتنا فلا زلنا نُخضع مستقبل إتاحة فرص العمل والإنتاج لأبنائنا وبناتنا لمشاورات في غرف المصالح الخاصة؟! لو سمحتم اقرؤوا معي ما نشرته صحيفة «الحياة» يوم الثلاثاء الماضي عن لقاء وزير العمل مع رجال الأعمال في الغرفة التجارية الصناعية بالرياض: «تحفظ رجال الأعمال على بنود في مشروع «نطاقات» الخاص بتوظيف السعوديين في القطاع الخاص، الذي أطلقته وزارة العمل أخيراً، ومن المقرر أن يبدأ تنفيذه بعد ثلاثة أشهر من الآن، وحذر رجال أعمال في لقاء مفتوح مع وزير العمل المهندس عادل فقيه، من أن «منع الوزارة من التجديد للشركات التي تدخل في النطاق الأحمر، سيفاقم أعداد المشاريع المتعثرة في المملكة» مؤكدين عدم وجود أرضية مناسبة لتطبيق المشروع، وقال أحد رجال الأعمال في مداخلته مخاطباً وزير العمل: «جهودكم موفقة وتشكرون عليها، ولكن سوق العمل في وضعها الحالي يتناسب معها المثل الشعبي القائل «الشق أكبر من الرقعة». ورد وزير العمل على مداخلات رجال الأعمال قائلاً: «سيتم إعلان تفاصيل برنامج نطاقات الشهر المقبل، وسيبدأ التطبيق الفعلي بعد ثلاثة أشهر من الآن»، واصفاً مشروع «نطاقات» بأنه بمثابة الفرصة الأخيرة للشركات المتعثرة في برنامج «السعودة»، وأضاف فقيه: «المنطقة بأكملها تواجه الكثير من تحديات البطالة، ويوجد في السعودية 448 ألف عاطل عن العمل، وفي المقابل هناك ثمانية ملايين عامل أجنبي في المملكة يفقدون الاقتصاد الوطني أكثر من 100 بليون ريال سنوياً عبر تحويلها إلى بلدانهم»، وتابع: «ثلاثة أرباع العاطلات عن العمل في المملكة هن من حملة شهادات البكالوريوس والماجستير، بينما 39 في المئة من العاطلين الشباب من حملة الثانوية العامة وما دونها»، ووصف فقيه قضية البطالة في البلاد بأنها «معقدة» وقال: لا نملك حلاً سحرياً لها، ولا عصا سحرية لذلك، ولكن نعتمد في «نطاقات» على خطط بعيدة وأخرى قصيرة، وسنطور آلية الرقابة في سوق العمل السعودية، حتى نضمن التوظيف بشكل أكبر. وبخصوص مواقع الشركات الحالية من برنامج «نطاقات» قال: غالبية المنشآت الآن الموجودة تقع في النطاق الأخضر، والربع منها في النطاق الأحمر، والشهر المقبل ستستطيع جميع الشركات الدخول لموقع وزارة العمل، ومعرفة مصيرها من النطاقات، وسيكون التطبيق الفعلي بعد ثلاثة أشهر من الآن»، ولفت وزير العمل إلى أن برنامج نطاقات يدخل ضمن آليات استراتيجية التوظيف السعودية وقال: «هذا البرنامج سيسهم في خلق بيئة عمل بالنسبة للأيدي الوطنية قبل التطبيق، وسنقدم فيه حوافز كل ثلاثة أشهر للشركات المميزة في برنامج السعودة، وعلاقة «نطاقات» بالحافز علاقة تكاملية»، وأكد أن مشروع «نطاقات» سيسهم في إعادة توزيع العمالة الوافدة، وسيسمح من دون قيود للنطاق الذهبي بالحصول على أي تأشيرات شريطة عدم النزول إلى النطاق الأخضر، مشدداً على أن «نطاقات» سيزيد الطلب على عنصر العمل السعودي، والتوطين أصبح قضية للجميع». انتهى ما نشرته الصحيفة، وكلام الوزير اللطيف والمنطقي لم يعجب أصحاب المال والأعمال، وبما أنهم تحفظوا وحذروا، كم تمنيت لو كنت وزيراً للعمل لساعة واحدة، حينها سأُلقي على المجتمعين خطاباً حماسياً أقول فيه: «يا أصحاب المال والأعمال، الدولة لا تريد مجرد أعداد بالآلاف من المصانع والمتاجر تضيف أعباءً على الاقتصاد والحياة الاجتماعية، حجم التأثير هو المطلب وهو الهدف الذي تسعى إليه، من أراد أن يستفيد من الحوافز التي يقدمها الوطن في الماء والكهرباء والوقود والأراضي وتسهيلات القروض والمدخلات الصناعية الأخرى فمرحباً به، ولكن لا بد من العطاء وليس العطية، لابد من الالتزام واحترام التشريعات التي تصدر وليس التضحية من أجلها، فنسب النمو في الاقتصاد لا تقاس بما يدخل في أرصدة رجال الأعمال، وإنما بالعائد الكلي الاقتصادي والاجتماعي على الوطن، وتوطين الوظائف. وضعنا خطة قصيرة وطويلة المدى، لن تتراجع عنها الوزارة، ولن يُخيفنا أو يُهَبّط من عزائمنا تحفظاتكم وتحذيراتكم، الوطن أمام تحدٍ كبير، يكون أو لا يكون، بالأمس القريب تخرج من جامعة جازان لوحدها 7011 خريجاً جديداً، وهذا مثال ل35 جامعة ومئات المعاهد والكليات. نحن في سباق مع الزمن، وأنتم يا رجال الأعمال صناعيين وتجاريين مع احترامنا لكم لا تزال نظرة الغالبية منكم محصورة في مصالحه الخاصة، ومن أراد أن يأخذ ولا يُعطي سنقول له: اقفل مصنعك إن كنت صناعياً، ومتجرك إن كنت تاجراً، وأقسم لكم بالله العظيم أنني ما دمت وزيراً للعمل لن أشاوركم ولن أدخل غرفكم التي أصبحت وبالاً على وزراء العمل وعلى الوطن». وبعد هذا الخطاب سأقدم استقالتي وأرحل! * كاتب سعودي. [email protected]