يستحيل أن تتجرأ جهة حكومية لتقول إن تقرير ديوان المراقبة مهمل حتى تاريخه، وأن تصرح بأنها لم تناقش ولو فقرة واحدة منه، ليس لدينا جهات حكومية تعري أخطاءها وسط مجتمع لا ينسى الخطأ ولكنه يمرره دوماً عن حسن نية وسوء تخطيط، ليس لدينا جهات حكومية شجاعة، ولا أطالب بأن تكون شجاعتها في كشف المستور ورفع الغبار عن أنقاض التقارير والملاحظات وخطابات التقصير، لكن كأضعف الإيمان الدفاع عن أوجه القصور وجملة الملاحظات وما تكشف عنه أجهزة المراقبة بعيد كل جولة رقابة وتفتيش. كنت تحدثت قبل أسبوعين بالضبط عن احترامي لجهاز «الديوان» وطالبت بأن يفعّل ويدعم، ومن ثم تطبق فكرة أن توجد لجنة محايدة لمناقشة أي تقرير رقابي يصدر منه، والإفصاح بلا خجل عن أين يسكن الخلل تحديدا؟ ما الجهة التي ترى أن ملاحظات ديوان المراقبة العامة غير مهمة وأقل من مستواها، ومضيعة لوقتها؟ وتصر فوق ذلك أن تقارير المراقبة غير جديرة بأن تحوز على الاهتمام ولا تحظى باحترام وجهد مسؤوليها؟ لن نتقدم خطوة واحدة إذا كان ديوان المراقبة يجامل ويتردد في ذكر من هي الجهات الحكومية التي تنام عند أول تقرير؟ ولماذا تنام؟ هل لأن هناك أمناً من العقوبة أم لأن أجهزة المراقبة المحلية لا تزال دون المأمول في كشفها للتفاصيل والمتداخل والغامض من أوراق الأجهزة الحكومية؟ إذا كانت أجهزة المراقبة لا تخيف الجهات الحكومية ولا يزال دورها في الأذهان محصوراً في أن تمارس التدخل الفضولي في ما لا علاقه لها به، فدورها مقتصر على أن تضع يدها على الجروح، أما معالجة الجروح فهذا شأن حكومي بحت عبر مهمات مجهولة وغير مقدور عليها لتاريخه. يظل اختيار ديوان المراقبة العامة لتعبير «الظاهرة» - حين يصف تجاهل مصالح ووزارات حكومية عدة لمطالباته بعدم تدوير أرصدة العهد لديها وتجاهل تسديدها - اختياراً متألماً مؤدباً وخجولاً بتوقيت واحد، لكن إلى متى يستمر هذا الأدب ومتى يتوقف الألم والنزيف والخجل؟ لا أحد يجب أن يكون فوق القانون، ومسطرة الحساب والعقاب يفترض أن تمر على المتقاعس والمهمل والمتجاهل. وتجربة واحدة صارمة بهذه المسطرة، ستعيد حسابات الجهات الحكومية وتغربلها كرسيا تلو كرسي. بعد هذا البوح اللطيف من جهازنا الرقابي الأول إلا أنه يؤسف أن أقول إن بوحه مصدر ضعف لا قوة، فطالما لم يملك القدرة على تعرية الكسول فذلك يشير إلى أن الجهاز لا يثق في أفراده ولا تقاريره، ويريد بالمقام الأول أن تتحرك الجهات في الرد على تقاريره حتى يستفيد من بعض حيل الجهات الحكومية واتكائها على ثغرات نظامية بحجم ثقب إبرة، لكنه يمر منها الجَمَل. ما ننتظره في المرة القادمة برفقة التصريح/ البوح الجديد: القوة والطرق المباشر والمواجهة، وأن يقول الديوان إن هذه الجهة «بعينها» لم تجب على محتويات التقرير منذ عشية إرساله إلى صبيحة يوم إعلان التصريح، وعندها سنعرف أي الجهات هي الأقوى! [email protected]