في احد مؤتمراته الصحافية، وكان يفند فيه ما قال من انها أدلة على تسييس المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري، تطرق أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله إلى ما سماه ب «التحقيق العنجري»، قاصداً مركز المخابرات السورية في عنجر، وتحدث عن «طحن عظام» الموقوفين لدى الاستخبارات السورية. يومها ابتسم نصرالله بينما كان يتحدث عن هذا الأمر. ابتسامته كانت تعني الكثير. لنصرالله أيضاً خطاب قديم يهاجم فيه النظام السوري وغازي كنعان تحديداً. ولم يكن يومها أميناً عاماً للحزب. كان ذلك بعد ارتكاب الجيش السوري مجزرة بحق 27 عنصراً من «حزب الله» جرت تصفيتهم وهم مكبلو الأيدي والأرجل بطريقة بشعة جداً في ما يعرف بمجزرة «فتح الله». بالتأكيد لم يبتسم نصرالله حينها. وذلك يعني الكثير. في ذكرى اسبوع على اغتيال عماد مغنية في قلب العاصمة دمشق، قال نصرالله في خطاب بُث عبر شاشة عملاقة، إن التحقيق باغتيال المسؤول الأول في «حزب الله» هو من مسؤولية سورية. ولم تظهر نتائج ذلك التحقيق. وذلك ايضاً يعني الكثير. في الذكرى الحادية عشرة على تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، قال نصرالله: «علينا أن نحرص على أمن سورية نظاماً وشعباً ورفض أي عقوبات ضدها»، مؤكداً أن «الرئيس السوري بشار الاسد مؤمن بالاصلاح وجاد ومصمم ومستعد للذهاب الى خطوات إصلاحية كبيرة جداً، ولكن بالهدوء والتأني والمسؤولية»، مشدداً على أن «من العناصر المكونة لموقفنا أن إسقاط النظام في سورية مصلحة أميركية - اسرائيلية». ما الذي يعنيه ذلك؟ هذا يعني، أن طحن العظام، الذي يعرفه نصرالله جيداً، يوافق عليه بحق المواطنين السوريين الذين يتجرأون على الاعتراض على سياسات النظام السوري. هذا يعني ايضاً، أن «التحقيق العنجري» يجوز في درعا وحلب وبانياس وتل كلخ، وأن ابتسامة نصرالله حينما تحدث عن وحشية هذا التحقيق، كانت بمثابة تشجيع عليه، إذا كان، في نهاية المطاف، يخدم المقاومة ومصالحها. من بين ما يعنيه هذا الخطاب ايضاً، أن «حزب الله» نسي مجزرة «فتح الله»، وعفا عما مضى، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن ذاكرة الحزب نشطة، وأنه يتذكر لخصومه السياسيين، وخصوصاً سمير جعجع كل جرائمه، التي بالمناسبة لم تمس الحزب في شكل مباشر. «إسقاط النظام في سورية مصلحة أميركية - اسرائيلية». حسن جداً. والمصلحة ذاتها متوافرة في مقتل عماد مغنية، فلماذا إذاً، والحال هذه، لم يطالب نصرالله بكشف حقيقة ما توصل إليه التحقيق في اغتيال مغنية؟ أم أنه يريد لهذا التحقيق الذي مضت عليه سنوات، أن يتحلى «بالهدوء والتأني والمسؤولية»؟ لكن تبقى مفارقة في ما قاله نصرالله عن سورية، وهو أنه ميّز بين الشعب والنظام، وقال إنه يحرص على سورية شعباً ونظاماً، وهو لم يستخدم، جرياً على عادة «الممانعين» في لبنان، مصطلح «سورية الأسد» الذي يختزل دولة كبيرة بشخص واحد ويزدري الشعب وما يمثله من سلطة. ليس ذلك زلة لسان، لكن لو كان كذلك، يمكن أن يُسأل سيغموند فرويد عن الأمر، ولو كان مؤسس التحليل النفسي حياً، لكان أجاب: ذلك قد يعني الكثير. * كاتب وصحافي لبناني