في المسلسل الكويتي «خالتي قماشة»، وهو مسلسل قديم نوعاً ما، إلا أنه لا يزال يعرض إلى الآن على بعض الفضائيات، وفي هذا المسلسل الذي تلعب فيه الفنانة القديرة حياة الفهد دور المرأة الحديدية المتسلطة على كل الأسرة، خصوصاً حريم أولادها، مما جعلها تقوم بتركيب كاميرات مراقبة بصورة سرية في كل غرف أبنائها وحريمهم لم تسلم منها حتى غرف النوم، بينما هي في غرفتها تراقب، ومن خلال مشاهداتها تستطيع أن تلم بجميع أسرار هؤلاء الزوجات، ومن ثم وبخبث ومكر تضرب ضربتها بناء على تلك المشاهدات. إلا أن برج المراقبة هذا سرعان ما تصدع، فلا أحد يستطيع أن يحكم سلوك الآخرين وتصرفاتهم، وهذه طبيعة البشر المفطورة على السلوك المغاير للأفراد في كيفية تعاطيهم مع الحياة، واللافت في المسلسل أنه بعد أن يكتشف أمر الكاميرات، تسألها إحدى زوجات أولادها قائلة «كنتي تشوفين كل شيء يا خالتي، حتى وحنا نايمين ... وحتى... و...» وتتلعثم الكلمات في فمها. كاميرات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا تفرق كثيراً عن كاميرات السيدة قماشة فهي لا تختلف في هدفها كثيراً عنها، فالسيدة قماشة أرادت أن تقبض على البيت والأسرة بكلتا يديها حتى تبقى خاضعة لسيطرتها فلا تترك متنفساً للآخرين في ممارسة حرياتهم الشخصية كيفما يشاءون، ويتصرفون تبعاً لسلوكهم الذي هو في النهاية حاكمهم الوحيد، ومن هنا خسرت السيدة قماشة رهانها وخلعت الكاميرات بيديها بعد أن وجدت التمرد حتى من أبنائها، وآمنت أن الحب والاحترام وإعطاء الثقة للآخرين في تحمل مسؤولية تصرفاتهم، هو الوسيلة لخلق أسرة يسودها الحب، ووجدت أن الحوار دعامة لحل الكثير من المشاكل الأسرية، وأن الحرية الشخصية، حق من حقوق الإنسان داخل البيت وخارجه. لنفترض أنني ومجموعة من الصديقات أو الأقارب في أحد المراكز التجارية التي تنتشر فيها المطاعم ودخلنا فيها فلا بد أن أكشف وجهي وأتناول طعامي كما يحلو لي وبطريقتي الخاصة، ربما آكل بيدي، أو بالملعقة أو بأطراف أصابعي، أو أفتح لساني، أو أتلذذ بطعامي مغمضة عيني، أو مشمرة عن ذراعي، فهل يجوز لأحد أن يصادر مني هذه الحرية، ويتجسس ويتلصص علي في أوضاعي كافة؟ وهل يرضى الرجال في الهيئة بشعارهم المعروف الذي ينادون به وهو غض البصر، هل يرضون به لأنفسهم، أو يرضونه لبناتهم، وزوجاتهم، وأخواتهم؟ المفترض لكل إنسان، مهما كانت صفته، أن يضع نفسه في الموضع نفسه الذي يريد أن يضع فيه الناس ليرى عوراته من خلالها. في عدد «عكاظ» الصادر السبت الماضي 13 - 6 - 1430ه أكد وكيل الرئاسة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ إبراهيم الهويمل في حديث غريب، وبلغة فيها الكثير من الاستهزاء برأي الإعلام في هذا الموضوع، تصميم الرئاسة على مضيها نحو تنفيذ «الكاميرات»، وقال إن الهدف منها هو ضبط «الأمن السلوكي»، وفي هذا تشكيك في أخلاق الناس وتصرفاتهم، ويتنافى مع مبدأ حسن الظن الذي أعلنه الرئيس العام للهيئة الدكتور عبدالعزيز الحمين، مع بداية توليه الرئاسة، يقول الشيخ إبراهيم الهويمل في شأن الآراء التي برزت من خلال الإعلام سلباً أو إيجاباً حيال الموضوع «ما هي إلا وجهات نظر قابلة للدراسة والنقاش» بعد تأكيده على المضي في تنفيذ الكاميرات، وفي هذا منتهى الترفع والاستهتار بآراء الآخرين الواجب احترامها وتقديرها. إلا أن رئيس الهيئة الشيخ عبد العزيز الحمين حسم الموضوع بتصريحه ل «الحياة» الأربعاء الماضي أيضاً وقال: إن الكاميرات ستكون بأيدي رجال الأمن والسلامة الذين سيستدعون رجال الهيئة في حال وقوع المنكر. آمل أن يكون رجال الأمن على مستوى المسؤولية من حيث الابتعاد عن تتبع العورات واستراق خصوصية الناس. [email protected]