ليس سراً أن نتائج الانتخابات البرلمانية اللبنانية جاءت على الهوى المصري رسمياً وربما شعبياً، لكن هل ينطبق الأمر نفسه على نظام الانتخابات أو الإجراءات التي تسبقها أو تترافق معها، والتي جعلت الخاسرين قبل الفائزين يقبلون بالنتائج من دون التشكيك في سلامة العملية الانتخابية؟ بمعنى آخر هل تقدم الحكومة المصرية ومعها الحزب الوطني الحاكم على اتباع إجراءات تضمن سلامة الانتخابات البرلمانية المقررة العام المقبل وتكفل لكل القوى السياسية فرص تنافس متساوية وتجعل المقترعين والمتنافسين يثقون في نيات القائمين على الانتخابات وسلامة الإجراءات التي تتبع على الأقل في يوم الاقتراع لتكون النتائج معبرة عن آراء المقترعين وتوجهاتهم ورغباتهم مهما كانت ومهما أفضت اليه عمليات فرز أوراق الاقتراع؟ ليس سراً أيضاً أن كل انتخابات برلمانية في مصر جرت في السنوات الأخيرة سبقتها ورافقتها وأعقبتها احتجاجات وانتقادات من غالبية القوى السياسية المشاركة فيها، وحتى التي قاطعتها، بداية من القوانين والإجراءات الخاصة بالترشح ومروراً بالتضييق على مرشحي كل القوى من غير الحزب الحاكم، وكذلك الإجراءات حول لجان الاقتراع، ونهاية بعمليات فرز الأصوات وإعلان النتائج. صحيح أن مبالغات قد يطلقها هذا الطرف أو ذاك، لكن الصحيح أيضاً والذي لا يمكن انكاره أو إخفاؤه أن تجاوزات تقع وأن مرشحي الحزب الوطني الحاكم يحصلون على ميزات، بأشكال مختلفة، لا يحصل عليها باقي المرشحين. وتكفي العودة الى مشاهدة الصور التي نقلتها وكالات الأنباء والصحف المعارضة للأوضاع حول وداخل اقلام الاقتراع لبيان الفارق مثلاً بين الظروف التي تتم فيها الانتخابات المصرية وتلك التي جرت في ظلها الانتخابات اللبنانية. فهل تكون الانتخابات اللبنانية التي أشادت بها وبنتائجها الدوائر الرسمية المصرية نموذجاً يحتذى؟ يتحدثون في مصر الآن عن تمكين المرأة أو عن مشروع قانون سيقره البرلمان لإضافة 64 مقعداً الى مقاعد البرلمان ال454 سيقتصر الترشح فيها على النساء، وبالطبع فإن كل المطالبين بتمكين المرأة ومنحها حقوقها السياسية الكاملة وكل مؤسسات المجتمع المدني أيدت مشروع القانون حتى رغم حرص بعضها على التأكيد أن الفترة التي يطبق فيها القانون يجب أن تقتصر على دورة أو دورتين برلمانيتين الى أن يتعود الناس على الاقتراع لمصلحة سيدة وبعدها يعود الوضع الى ما هو عليه الآن حيث يكون التنافس بين الرجال والنساء على قدم المساواة. وإذا استمر الاحتقان بين الحكم والمعارضة وبين الحزب الوطني وباقي الأحزاب على ما هو عليه فإن المشهد في الانتخابات المقبلة يمكن تخيله من الآن فالنتائج ستصب في مصلحة المرشحات المنتميات الى الحزب الحاكم وعندها لن يفضي القانون الجديد الى أي تمكين للمرأة وسيسود الاعتقاد بأن الاجراء كان هدفه زيادة في اعضاء الحزب الوطني الحاكم وتوسيع نفوذه في البرلمان عن طريق إضافة مقاعد جديدة الى حصيلته. الأهم من تمكين المرأة أو تمكين الرجل هو تمكين الديموقراطية لاعتماد قوانين تكفل عدم تزوير الانتخابات أو التأثير على إرادة المتنافسين لتكون النتيجة البرلمانية معبرة عن الناس وليس عن حزب بعينه أو قوة سياسية بعينها. المؤكد أن الأوضاع في البلدين (مصر ولبنان) مختلفة والظروف السياسية متباينة وطبيعة التنافس بين القوى السياسية لا يمكن تطابقها، لكن الرأي العام والمؤسسات الدولية والناخبين أنفسهم ينظرون دائماً الى الأجواء التي تجري فيها الانتخابات. واذا كان المسؤولون المصريون أشادوا بالانتخابات اللبنانية وهم الذين لا يرتاحون الى الانتقادات التي تصدر عن المعارضة أو منظمات المجتمع المدني المحلية أو الدولية بعد كل انتخابات مصرية فإنهم يتمنون الإشادات بدلاً من الانتقادات. لكن نيل المطالب ليس بالتمني وحده، وتخصيص مقاعد للمرأة ربما يكون خطوة طيبة لكنها لا تضمن وحدها نيل شهادات وإشادات الآخرين لكن تمكين الديموقراطية سواء كانت هناك مقاعد مخصصة للمرأة أو لا.. خير وأبقى.